Palestine: Mental Health

366 Words, 0min

الصحة النفسيّة في فلسطين: نظرة عامّة

عدد الكلمات 366 زمن القراءة بالدقائق 0

يترك العنف السياسي الممنهج والمتواصل أثرًا سلبيّا في صحّة الفلسطينيين النفسيّة عبر أجيال متعدّدة؛ وتلعب الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة "دورًا محدّدًا ورئيسيّا" في الصحّة في فلسطين 1، أكبر من دور عوامل أخرى بسبب التقييدات المفروضة على الاقتصاد وحريّة الحركة، والتي تؤثر على الرعاية الصحيّة والتدريب [المهنيّ] وامكانيّة الحصول على الأدويّة.

تشمل حالات الصحّة النفسيّة في فلسطين الاكتئاب واضطراب القلق واضطرابات ما بعد الصدمة 2PTSD. يمكن للأمراض النفسيّة أن تكون مزمنة وطويلة الأمد، وأن تتزامن مع أمراض جسديّة أو أعراض فسيولوجيّة تشمل أوجاع مزمنة وأرق. يحتاج حوالي ثلث السكّان الفلسطينيين إلى تدخّل في الصحّة النفسيّة3؛ إذ يوجد نقص في تمويل وفي موارد البنية التحتيّة لخدمات الصحّة النفسيّة والتدريب عليها، إضافةً إلى وجود عوائق ناتجة عن تصوّرات اجتماعيّة ونمطيّة تجاه الأمراض النفسيّة التي لها أن تعيق من تلقي العلاج. يعيش الفلسطينيون تحت تهديد جسدي مستمرّ من تعنيف حياتهم وحياة عائلاتهم وصحّتهم، ويشمل هذا التهديد الضرب والتحقيق والتعذيب وإطلاق النار من قِبل جيش الدفاع الإسرائيلي. قد يتفاقم الإحباط واللامبالاة وتندثر ثقة نفس الفلسطينيّين بسبب مواجهة الحواجز العسكريّة وحواجز الطرق الدائمة، وبفعل المضايقات والإذلال من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي أو من سكّان المستوطنات، أو بسبب مشاهدة أعمال العنف والإساءة المتكررين. لدى الفلسطينيين شعور دائم ينقصه الأمان والسلامة بسبب وضعهم المتأرجح بين اللجوء والتهديد المستمر بهدم منازلهم؛ ويثبط هذا عزيمتهم في التخطيط وبناء المشاريع ويخلق حالة ضبابيّة في رؤية المستقبل. يصف سرد وإيديولوجيّة "أمن" دولة إسرائيل الفلسطينيين "بالتهديد الديموغرافي" ويتعامل معهم على هذا الأساس، ويؤثر هذا سلبيًّا في تصوّرهم لذاتهم، وعلى قدرة العائلات والتجمّعات الفلسطينيّة في إعالة أنفسهم. تنتشر المشاكل النفسيّة في الضفّة الغربيّة بكثرة وتوصف بأنّها "أزمة غير مرئيّة"4، إذ يعاني 38٪ من سكّان قطاع غزّة من مشاكل نفسيّة5، حيث معدّل حالات إضطراب ما بعد الصدمة PTSD هناك الأعلى عالميّا (خارج مناطق النزاع الفعّالة)6. تتكرّر هذه الحالات بشكل غير متناسب في بعض التركيبات الديموغرافيّة، وتشمل النساء وكبار السنّ وأشخاص يعانون من أمراض جسديّة مزمنة7؛ ومع ذلك، عادة يقلّ عادةً تداول الأمراض النفسيّة في التقارير [الطبيّة] في فلسطين8.

قد يبدو الزحف الاستيطاني وتوسّع البنى التحتيّة الإسرائيليّة [في الضفّة الغربيّة] بمثابة أعمال عاديّة ويوميّة، لكنّها جزء من أدوات حرمان معاصرة [تستعملها إسرائيل ضد الفلسطينيين9. تسمح الحواجز العسكريّة ونقاط التفتيش غير الثابتة والعشوائيّة وحواجز الطرق التي يتغيّر مكانها بشكل يوميّ بوجود شكل منزلق وغير واضح من مراقبة الحدود العسكريّة، وتتحوّل البيئة بفعل هذا إلى مكان "متقلّب ودائم التغيير" وآخذ بالتقلّص، "يشتد من حول رقابهم كحبل مشنقة"10. التوسّع [الإسرائيلي] على حساب الطاقة الحيويّة [الفلسطينيّة] كهيمنة سلطة الدولة التي تتحكّم في حياة مواطنيها؛ يصف أشيل مبيمبي سلطة الحياة والموت (necropolitics) كامتداد لهذه الهيمنة التي لها أن تفرض حالة إخضاع شبيهة "بالحيّ الميّت"، أو أنّها تتحكّم بشكل مباشر بحياة وموت بعض المواطنين11. تبخّس قيمة الحياة تحت قمع كهذا إلى درجة "الموت الاجتماعي" الذي تعيشه الناس، حيث يقول مبيمبي: "أكثر أشكال سلطة الموت (necropower) إنجازًا هو الاحتلال الاستعماري الحالي في فلسطين"12.

ماهي الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة PTSD؟

قد يتطوّر اضطراب ما بعد الصدمة، وهو نوع من اضطرابات القلق13، عندما المرور بتجربة صادمة أو "حادّة" - غالبًا ما تكون مهدّدةً للحياة - أو عند مشاهدة حدوثها. قد يؤدي ذلك إلى أعراض وتجارب لها أن تشوّش حياة الشخص اليوميّة وقدرته على تكوين علاقات صحيّة مع نفسه ومع الآخرين. قد تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة "أحداث من الماضي" (flashbacks - وكأن الشخص يعيش تجربة الصدمة من جديد)، وأفكار سلبيّة وذكريات مؤلمة للتجربة (بما في ذلك صور وأصوات وروائح)، وأعراض جسديّة مثل الغثيان، والأرق وكوابيس تؤدي إلى تقطّعٍ في النوم، ويقظة مفرط بها - الشعور بالتيقّظ الدائم - وحساسيّة جامحة للمنبّهات. من الممكن لهذا أن يؤدي إلى سلوكيّات مضّطربة تقود إلى التدمير الذاتي، لتشمل الأذى النفسي وتعاطي الكحول والمخدّرات. لا تؤدي جميع التجارب الصادمة بالضرورة - وبشكلٍ تلقائي - إلى اضطراب ما بعد الصدمة طويل الأمد، حيث من الممكن أن يعاني بعض الناس من "تفاعل حادّ للوضع" بدلًا من ذلك؛ وقد تطوّر الأعراض في وقت لاحق من الحياة مؤدية إلى "اضطراب ما بعد الصدمة المتأخّر".

من الأرجح حدوث تعقيد في اضطراب ما بعد الصدمة ليتحوّل إلى اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد c-PTSD، إذا تكرّرت تجارب صادمة متعدّدة لفترة طويلة من الزمن في حياة الشخص، أو في فترة مبكّرة من العمر: فترة الطفولة. قد يعاني الشخص من صدمة غير مباشرة وثانويّة أو بديليّة بمجرّد العيش مع شخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد، أو بسبب مشاهدته لممارسة العنف ضدّ الآخرين، أو مشاهدة أحداثٍ [عنيفة] على شاشة التلفزيون. النطاق الزمني للتدخّل وعلاج اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد مهمّ جدّا، فيمكن للفترة الزمنيّة بين تعيين موعدٍ أوّليّ [مع المعالج أو الطبيب] وبين التشخيص النهائي أن تكون طويلة، لأنّ تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من الأمراض النفسيّة "الحادّة" ليس سهلًا، وغالبًا لا تكون معروفة بين الأطبّاء حتّى المتخصصين في الصحّة النفسيّة. تزداد احتماليّة تطوّر الحالة لتتحوّل إلى طويلة الأمد مع ازدياد تأخّر العلاج عن زمن حدوث التجربة الصادمة. يوجد توسّع متزايد في تعريف مفاهيم الصدمة، يشمل: الصدمة الجماعيّة (اضطراب ما بعد الصدمة يعانَى منه على نطاق جماعي بدلاً من التشخيص الفرديّ)، ودراسة تناقل الصدمات بين الأجيال في حقل علم ما فوق الجينات (epigenetics)، أو كيف تُنقل ردّات فعل لحالات إجهاد وراثيّا. يمكن لمعدّلات اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد أن ترتفع - وتنتشر بشكل جماعيّ - بسبب التفاوتات الاجتماعيّة والتهميش، وتكون أيضًا مرتبطة فيها.

قد يكون تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة أمرًا صعبًا، وذلك بسبب نقص في فهم الصدمة وتأثيراتها حتّى بين المختصين في مجال الصحّة النفسيّة. يوجد كمّ واسع من التعابير العاطفيّة والسلوكيّة المختلفة للصدمة مكوّنة "أعراض" مرئيّة بين مختلف السكّان، حيث على سبيل المثال، قد تظهر أعراض الصدمة لدى الرجال بشكلٍ عدوانيّ. يؤثّر هذا على من لديه المقدرة للحصول على هذه الخدمات، فيضعف احتمال سعي الرجال في فلسطين إلى تلقي العلاج أو قبوله، بسبب تصوّر اجتماعيّ مضمونه أنّ خدمات الصحّة النفسيّة مخصّصة للنساء والأطفال فق14.

تشمل علاجات اضطراب ما بعد الصدمة العلاج النفسي (عن طريق الحديث)، وعلاجات معيّنة لمساعدة تخطيّ حالات الصدمة مثل: تمارين تفريغ الصدمة (TRE - Trauma Release Exercises)، وحركة العينين المعالجة أو إزالة حساسيّة حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR - Eye Movement Desensitisation and Reprocessing)، والعلاج السلوكي الجدلي لضبط المشاعر (DBT - Dialectical Behavioural Therapy)٠15. تظهِر طرق العلاج المتنوّعة مرونة في الجهاز العصبيّ، أو قدرة الدماغ على التغيّر وتشكيل شبكات عصبيّة جديدة، على الرغم من التأثيرات العميقة والطويلة لاضطراب ما بعد الصدمة. تشمل أدوية الحالات النفسيّة وحالات اضطراب ما بعد الصدمة مضادات الاكتئاب أو مضادات الذهان16.

مالت دراسات اضطراب ما بعد الصدمة - على الصعيد الدوليّ - إلى الاتّكاء على التمويل الحكوميّ والعسكريّ مركّزةً على الجنود المتورّطين في القتال؛ لكن أظهرت دراسات سنوات التسعين وصاعدًا تغييرًا [في مفهوم] أساليب الحرب التي تستهدف المدنيين بشكل متزايد17. على الرغم من عدم تصنيفها منطقة نزاع، إلّا أنّ فلسطين تقع تحت احتلال عسكريّ من قبل دولة إسرائيل، ويزداد فيها بشكل سريع معدّل حالات اضطراب ما بعد الصدمة. ترتبط معدّلات مرتفعة من اضطراب ما بعد الصدمة أو أعراض مختلفة مع أنواعٍ مختلفة من الصدمة، منها: تجارب [صدمة] تحدث لمرّة واحدة فقط، مقابل حوادث الصدمة المستمرّة، حيث ضحايا تشريد الأطفال والتعذيب والاعتداءات الجنسيّة أكثر عرضة لتطوير اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد. يزداد عدد الأطفال - كشريحة سكّانيّة ـ الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة في مناطق الصراع عالميًّا، ليشمل ذلك منطقة فلسطين18. بالإضافة إلى الخطاب الغربيّ، توجد تفاوتات هيكليّة في أبحاث الطبّ النفسيّ العالميّة تؤديّ إلى هيمنة في صناعة الأدوية لصالح شركاتٍ موجودة في بلدان ذات الدخل المرتفع، التي تهدف إلى توسيع تسويق سلعها بشكل عالميّ لتشمل بلدان الدخل المنخفض، مكوّنةً بذلك سوقًا جديدة19.

اضطراب ما بعد الصدمة في السياق الفلسطيني

تنبع أهميّة البحث في اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمع الفلسطيني بشكل خاص من "استمراريته وتواصله"، بسبب استمرار وجود صدمات متعدّدة ذات تأثيرات تراكميّة20. يتعرّض الأطفال في فلسطين "لحوادث يوميّة (صادمة) لفترةٍ طويلة (مدى الحياة)"21، بدلًا من التعرّض لتجربة [صدمة] واحدة، حيث تكون أسباب وتجارب الصدمة مقترنة بتجربة الشخص بشكلٍ فرديّ؛ لكن في السياق الفلسطينيّ، يتوزّع حجم الصدمة بشكلٍ جماعيّ وعلى نطاقٍ زمنيّ متوارث. يصف البروفيسور عمر الديوجي الصدمة الجماعيّة "بالجرح الاجتماعي"22، الذي يصيب أو يجرح النّاس جماعةً بدلًا من الأفراد كلّ على حدى، والذي له أيضًا أن يؤثّر على نسيج التفاعل الاجتماعى ودعم المجموعات. يمتدّ تأثير الاحتلال الإسرائيليّ في حياة الفلسطينيين بشكلٍ واسع، حيث تحوّلت الجبهة الداخليّة إلى ساحة حرب23، وتكون الانعكاسات جسديّة ونفسيّة على حدّ سواء، وتُحتسب الصدمة "إصابة غير مرئيّة" أو "جرح داخليّ" في كثيرٍ من الأحيان24. تستعمل دولة إسرائيل طرق اعتقال وتعذيب كثيرة تفضي بعواقب جسديّة ونفسيّة، "وتُنشئ مشكلة صحيّة ونفسيّة عامّة وبارزة" في فلسطين25. يؤثّر هذا على الرجال في فلسطين بشكلٍ مختلف، إذ من الصعب لهم تقبّل العلاج النفسيّ بسبب أراءٍ مسبقة عن الموضوع: فقد يضعضع هذا الأمر من تقديرهم كأبطال تحمّلوا مرارة السجن، لذا يقوم أفراد العائلة بأغلب الإحالات بدلًا من الرجال أنفسهم26.
طرأ كذلك تغيير على نسيج المنزل الفلسطينيّ بسبب غياب الزوج في أغلب الأحيان، سواء كان يعمل بعيدًا في إسرائيل، أو معتقل من قبل إسرائيل، أو قُتل على يد جيش الدفاع الإسرائيليّ، أو أنّه يعاني تأثير صدمة ما27. يؤثّر سياق الصدمة الجماعيّة على المنزل والعائلة والدور الاجتماعيّ، حيث تعرّض حوالي 25٪ من نساء غزّة للعنف المنزلي، بسبب سعي الرجال لاستعادة سيطرتهم أو قوّتهم في حالات يشعرون فيها بالعجز.

تترك خسارة المنزل والممتلكات [الماديّة] أو الدخل [الماليّ] بسبب الهدم الإسرائيلي [للبيوت الفلسطينيّة] أثرًا نفسيًّا، وتعطّل التربية والتعليم وتقطع روابط الدعم العائليّة والأسريّة، وتؤدّى إلى الفقر. يشكّل العيش في ظلّ تهديدات الهدم المنزلي المستمرّة جزءًا من "اضطراب مزمن" في حياة الفلسطينيين28، وجزءًا آخرَ من التهجير المتكرّر ليتحوّل إلى "صدمة مستمرّة"29 بدلًا من حادثة أو تجربة واحدة. ضعف القدرة الماديّة لدى العائلات والمجموعات الأسريّة لإعادة ترميم أنفسهم بعد الهدم هو عاملٌ إضافيّ للقلق والاكتئاب. تتمّ أغلبيّة عمليّات الهدم - غالبًا في ساعات الليل المتأخّرة - دون سابق إنذار30، وقد تؤدّي إلى إصابات جسديّة وموت بسبب إحتمال وجود الناس داخل بيوتهم خلال عمليّة الهدم. يميل الهدم للتأثير على امتداد العائلة بأكملها، حيث تعيش عائلات كثيرة في مساكن مكتظّة وتتشارك أجيال متعدّدة ذات البيت أو العمارة السكنيّة نفسها، أو البيت والعمارة المجاورين. قد يهدف الهدم بيتًا واحدًا أو عمارة واحدة أو حيًّا بأكمله، بغية "معاقبة" شخص واحد - يعيش في المنطقة - متّهم بجريمة ما. يُجبر سكّان البيت المهدوم التكفّل بدفع تكاليف الهدم، أو أنّهم يمنحون "اختيار" هدم منزلهم بأنفسهم بتكلفة أقلّ. تحدث أغلبيّة عمليّات الهدم أثناء مشاهدة الأسرة للحدث؛ على سبيل المثال: يعاني 19٪ من الأطفال في غزّة و97٪ من الأهالي الذين هُدمت منازلهم من أعراض متعلّقة بالصدمة31 والاكتئاب. يكون الأطفال والمراهقون الذين يعيشون في ظروف يعاني فيها أهلهم من صدمة أكثر عرضة لإظهار أعراض صدمة32، والتي قد يتوارث الأجيال تأثيرها؛ تأثيرات اجتماعيّة سيكولوجيّة عميقة تتعلّق بالاكتئاب والشعور بالعجز والعار تجاه الهويّة الفلسطينيّة أو التخلّي عن "القضيّة الفلسطينيّة" [الانتماء]، خصوصًا في حالات لا يستطيع فيها الفلسطينيون النضال أو تحدّي الاحتلال والوقوف في وجهه، وأخيرًا عدم التبليغ عن عمليّات الهدم. لدى شعور العار والذنب هذا المقدرة في خلخلة البنية الأسريّة بشكلٍ دائم، ولذا يمكن اعتبار عمليّات الهدم كشكل من أنواع "التدمير الاجتماعيّ" المتعمّد33. فلسطين هي مثال مهمّ في حالات يستخدم فيها جيش الدفاع الإسرائيليّ الصدمة [النفسيّة] سلاحًا وإستراتيجيّة عسكريّة تشمل استخدام القنابل الصوتيّة. القنابل الصوتيّة هو تكتيك [عسكريّ] غير قانوني لكسر حاجز الصوت، إذ تحلّق طائرات عسكريّة بسرعة فائقة في المجال الجويّ فوق قطاع غزّة لكن على ارتفاع منخفض، وترسل صدمات صوتيّة ودوي انفجارات34. تُستخدم قنابل الصوت خلال ساعات الليل بهدف تعطيل النوم وزيادة التوتّر والخوف والذعر، وتؤدّي إلى صدمات نفسيّة لدى الأطفال (يمكن ملاحظتها في اضطراب القلق والتبوّل في الفراش)، والإجهاض عند النساء؛ تتطوّر لدى الأطفال بشكل متزايد اضطرابات ما بعد الصدمة، فيعاني 32.7٪ من الأطفال في غزّة من مستويات حادّة في اضطراب ما بعد الصدمة، و49٪ من مستويات متوسّطة، و16٪ من مستويات طفيفة35.

الطبّ النفسيّ التثاقفيّ

يُمارس على مستوى دوليّ، إلّا أنّ الطبّ النفسي مبنيّ على قيم وإيديولوجيا تنبع من الثقافات الغربيّة، القائمة على منهج فرديّ في التشخيص وعلاج المرض. تزامن تطوّر العلوم الطبيّة الحديثة والطبّ النفسيّ مع ظهور الإمبراليّة الغربيّة، وكان انتشار نماذج الطبّ هذه بالتاليّ مربوطًا بالاستعمار، حيث هُمّشت أنواع سابقة من التداوي ومعرفة السكّان الأصليين، بل ونُظر إليها باحتقار. يتوزّع نموذج الطبّ النفسيّ الحالي ويُمارس من خلال الاقتصاد النيوليبيراليّ العالميّ؛ ومع ذلك، لا تزال قوّة ميكانيكيّة معيّنة تسمح لدول غربيّة بالغالب بتصدير علاجات وتدريبات وأدويّة نفسيّة لباقي دول العالم. باستطاعة نموذج الطبّ العالميّ في احتوائه الأمراض النفسيّة أن يخدم في كسب الشرعيّة والاعتراف بها [بالأمراض النفسيّة] حالة صعبة ومُعيقة، وكذلك تبنيّ لغة المنظّمات الإنسانيّة الدوليّة غير الحكوميّة لطلب خدمات واحتياجات أساسيّة وجعلها مُتاحة. لكن يمكن لاستخدام خطاب حقوق الإنسان "العالمي" هذا أن يدعم توجّه استعماري جديد تجاه الاعاقة [النفسيّة والجسديّة] في عدّة سياقات ثقافيّة، ذلك لأنّ مفاهيم ومعايير الأمراض النفسيّة والإعاقة تحدّدها كلّ ثقافة بذاتها36.

إنّ طبيعة الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة غامرة تؤدي إلى صعوبة في التعبير والإفصاح [عن المشاعر]، ويقوم من مرّ بتجربة صدمة بكبت مشاعرهم وتجنّب الذكريات كنوع من الدفاع عن النفس. توجد صعوباتٍ عدّة في محاولة "ترجمة" الصدمة إلى مصطلحات يستطيع استيعابها الآخرون، سواءً على المستوى الشخصيّ أو الصحيّ المهنيّ. تتطلّب عمليّة التشخيص الطبيّ إعادة صياغة تجربة [الصدمة] بواسطة مصطلحات طبيّة معيّنة (معرفة قد تكون متأثّرة بالدراسة الرسميّة)، وتعتمد [عمليّة التشخيص] كذلك على تأويل الطبيب والإحالة إلى فريق يقوم أيضًا بتفسير التشخيص، مضيفًا بذلك إلى طبقات الوساطة [للعلاج]؛ كلّ هذا بالإضافة إلى الصور النمطيّة التي تحيط بتلقيّ العلاج النفسيّ وما لها من إعاقة الحصول عليه. تتواجد أيضًا قوى ديناميكيّة عندما لا يستخدم الشخص لغته الأمّ للحديث عن نفسه وعن الصدمة، بل يضطّر للحديث بإحدى لغات المنظمات غير الحكوميّة (أي اللغة الإنجليزيّة). يمكن لاستخدام لغة أجنبيّة مهيمنة - والتي قد تكون منفّرة وغير مألوفة وموضوعيّة - أن يشكّل علاقة عصبيّة ونفسيّة معيّنة؛ وقد يحفّز هذا الانفصال على مزيد من التصرّفات والتعابير التي قد تُحسب ضمن المضاعفات النفسيّة37. يستعرض فرانز فانون وغيره من [مختصّو] الطب النفسيّ النقديّ في فترة ما بعد الاستعمار [خطورة] استعمار العقل، حيث لا تزال الثقافة الغربيّة مهيمنة وتخضع ممارسات الطبّ النفسيّ "لاستعمارٍ طبيّ" وتوقعات "بالالتزام"، أي أخذ الدواء38. تؤدي البُنى التحتيّة المحدودة للطبّ النفسيّ في فلسطين إلى الاتّكاء على المنظّمات غير الحكوميّة الدوليّة، حيث يتطلّب تكييف خدمات هذه المنظّمات لجعلها أكثر نجاعة إلى دعمٍ إداريّ إضافيّ، على سبيل المثال الحاجة إلى مترجمين - من الانجليزيّة إلى العربيّة - ذي خبرة في الرعاية الطبيّة أو النفسيّة. ولا تزال هناك حاجة "لمراقبة" عمل وخدمات المنظّمات غير الحكوميّة، على الرغم من حجم الموارد الكبيرة التي توفّرها، لجعلها متاحة أكثر؛ بالإضافة إلى [الحاجة في التغلّب على] العوائق اللغويّة والثقافيّة الكثيرة، ولا وعي المنظمات الغربيّة في التحيّز والتحامل تجاه متلقي خدماتها وتأثيره على العلاج. لا توجد هنا محاولة بالترويج لطرق العلاج غير الغربيّة، أو إضفاء طابع رومانسيّ لها، لأن لهذه الأساليب التقليديّة أن تكون غير أخلاقيّة أو مؤذية، خصوصًا إذا تمّ إساءة استعمالها (مثل تعاويذ طرد الأرواح الشريرة واستخراج الجنّ). تخطئ المنظمات غير الحكوميّة غالبًا في فهم واستخدام مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة في التمويل والتوزيع الانسانيّ، يُستخدم المصطلح غالبًا لدمج أنواع مختلفة من الاستجابة للصدمة وحصرها في فئة واحدة لأغراض عمليّة، وغالبًا ما يتمّ المبالغة في تقديرها39. لدى مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة تداعيات معيّنة تُأخذ على أنّها أكثر "تطرّفًا" وبالتالي أخطر وأكثر إلحاحًا من حالات أخرى (كالاكتئاب واضطراب القلق، والتي لها أن تؤدّى إلى أذًى جسديّ والانتحار)، وتفضّله [اضطراب ما بعد الصدمة] منظّمات غير الحكوميّة وداعميها [عن غيره من الحالات]40.

علاج اضطراب ما بعد الصدمة في فلسطين

توجد في فلسطين حركات أهليّة تسعى لتطوير أطر الصحّة النفسيّة والإعاقة ولا تستخدم لغة التمويل الخارجيّ ولا تعتمد على موارده الماديّة، لأنّه اعتماد مبنيّ على علاقة تبعيّة بدلًا من الاكتفاء الذاتي. تقول يُعاد غنادري حكيم - من أبرز المعالجين في المركز الفلسطيني للإرشاد - أنّ مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة قد لا يكون دقيقًا أو سديدًا لحالة الصدمة المستمرّة والمتواصلة في فلسطين، بل ويحدّد استخدام المصطلحات الغربيّة من فهمها41. تقترح غنادري حكيم - في هذا السياق - استخدام مصطلح اضطراب الصدمة المستمرّ (Continuous Stress Disorder - CTSD)، كونه أكثر ملائمة لوصف حالة الصدمة المتواصلة؛ كما أنّه توجد حاجة لإعادة النظر في تعريفات الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسيّة في سياق الوضع الراهن في فلسطين (الاحتلال).

أُنشئت منظّمات مثل المركز الفلسطيني للإرشاد ومركز أجنحة الأمل للصدمات النفسيّة لتقديم خدمات العلاج النفسيّ في الضفّة الغربيّة، ومناهضة الصورة النمطيّة لمناقشة الصحّة النفسيّة، كبديل للطرق السائدة التي تتبعها مؤسسات الطبّ النفسيّ والمعالجة بالتخليج الكهربائي. يتّبع مركز أجنحة الأمل للصدمات النفسيّة تمارين تفريغ الصدمة وتقنية الحريّة النفسيّة (tapping therapy)، تمارين جسديّة لتفريغ التوتّر العضليّ؛ ويقدّم مركز برنامج غزة للصحّة النفسيّة نهجًا قائم على بنية المجموعات لمعالجة الأمراض النفسيّة وخدماتٍ معينة للعنف المنزليّ. أجرى معهد الصحّة العامّة والمجتمعيّة في جامعة بيرزيت بحثًا في تخصّصات متعدّدة ونشاطًا منذ الثمانينيّات فصاعدًا، يربط الصحّة بالظروف الاجتماعيّة في فلسطين. ويواصل المعهد بتقديم التدريب، مثل برنامج جمعيّة سيّدات بيرزيت الخيريّة لتدريب عاملي القرية في مجال الصحّة42 كجزء من الرعاية الصحيّة الأوليّة، وبرنامج إعادة التأهيل المجتمعي والاحتياجات الجسديّة الاجتماعيّة لذوي الإعاقة واندماجهم المجتمعي. وتُستخدم معايير خاصّة بسياق [الصحّة النفسيّة] لقياس جودة الحياة في فلسطين، تتضمّن مقاييس مختلفة وفهم دقيق لمفاهيم الكرامة والإذلال والخوف من السيطرة على الأملاك والتهديد. يعجز الاطبّاء والعاملين في الرعاية الصحيّة الأوليّة في غزّة عن تمييز عوامل احتمال التعرّض للخطر وأعراض الأمراض النفسيّة، ويكون عدد الإحالات إلى خدمات الصحّة النفسيّة قليل جدًّا بسبب ذلك43. قد يخطئ الطبيب العام في تشخيص المريض إن لم تكن لديه معرفة في الصحّة النفسيّة أو لم يتدرّب عليها؛ وتوجد آراء مختلفة ومتنوّعة بين اطبّاء الصحّة النفسيّة حول التشخيصات والعلاجات والأدويّة وجرعاتها في حالات اضطراب ما بعد الصدمة. تؤكّد هذه المنظّمات [المذكورة سابقًا] على أهميّة علاج الصحّة النفسيّة طويل الأمد والشامل والقائم على المساعدة المجتمعيّة؛ وتتّبع نهجًا علاجيًّا متشعّبًا لمختلف الأجيال والشباب في المدارس والعائلات والأحياء، يختلف عن النموذج الغربيّ السائد المركّز على العلاج الفرديّ في الأمراض المختلفة. ولهذه المنظّمات المقدرة الجزئيّة على سدّ بعض الفجوات في المجتمع الفلسطيني التي أنهك الاحتلال فيها أشكال الدعم الأسري والمجتمعيّ. ومع ذلك، توجد حواجز وعوائق (لوجستيّة) عدّة في فلسطين تحدّ من الوصول إلى الخدمات الصحيّة ـ حتّى وإن توفّرت - مثل: الحواجز العسكريّة ونقاط التفتيش وحواجز الطرق، أو الحصار الاقتصاديّ على غزّة حيث الفقر وارتفاع أسعار الوقود يحدّان من امكانيّة زيارة العيادة الطبيّة.

المواجهة والصمود الفلسطيني

تتكيّف العلاجات المتماشية مع السياق المحليّ لتشمل الطرق التي شكّلت من خلالها مختلف المجتمعات الفلسطينيّة آليّات تأقلم ثقافيّة في مواجهة الصدمات الجماعيّة المستمرّة44، لتتراوح [هذه الآليات] بين عوامل متعدّدة مثل: العرق والدين والسنّ و[مستوى] التعليم والطبقة الاجتماعيّة إلخ. وفيما يتعلّق بالثقافة والدين، تتواجد أغلبيّة مسلمة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، لديها - إن تحدّثنا بشكلٍ عام - مواقف ثقافيّة محدّدة تجاه الأمراض النفسيّة؛ مواقف ذات قيم أخلاقيّة وروحانيّة [دينيّة] تضع الوحدة الاجتماعيّة المشتركة في أولويّتها بدلًا من الاحتياجات الفرديّة أو المصلحة الشخصيّة45. قد تزوّد المعتقدات الدينيّة أو الروحانيّة بنيةً لمجتمع ما وتزيد من الإحساس بالاستقلاليّة، كما أنّ للإيمان [بالقضاء] والقدر أو مشيئة الله أن تمنح طريقة تأقلم مع الظروف المؤلمة، مثل الفقدان والحداد46.

يستطيع الانخراط والحراك السياسي مع "الالتزام الإديولوجيّ"47 أن يقدّما أيضًا شكلًا من المقاومة، من خلال إضفاء معنى لتجارب [العيش] تحت الاحتلال وحسّ من الهدف المشترك. يمكن اعتبار أعمال معارضة الاحتلال جزءًا من "النضال" و"المقاومة"48، والتي تتنوّع بين الاعتناء بالضعفاء والدفاع الجسدي عن النفس أو رمي الحجارة، والصمود أو المثابرة كاستراتيجيّة سياسيّة جماعيّة. يُنظر إلى الإحساس بالهدف السياسيّ الجماعيّ جزءًا أساسيًّا في القدرة النفسيّة على التكييف لدى الأطفال الفلسطينيين في مواقف لها أن تزعزع الاستقرار في قطاع غزّة49.

.
تغفل عادةً خطابات الطبّ النفسيّ وحقوق الإنسان عن قوّة وتفويض الفلسطينيين الذين عاشوا تجربة السجن والتحقيق والتعذيب في إسرائيل، ودور الصمود، أو أكثر دقّة الامتناع عن الاعتراف والبوح بالأسرار للمحقّقين [الإسرائيليين]، [صمود] ميّز فترة الانتفاضة الأولى (1987-1993)، تغفل الخطابات عن كلّ ذلك باعتباره مقاومة ضد الاستعمار50. يُرى بتحمّل الألم أو التعذيب في هذه الحالة شكلًا من التضحية بالنفس من أجل الجميع، ويكتسب "معانٍ سياسيّة تحوّل من طريقة تحمّله والشعور به"، ويمكن [لتحمّل الألم والتعذيب] أن يتواجد في أشكالٍ متعدّدة الأبعاد أو أكثر تعقيدًا من المفهوم النفسيّ العام لعلاجات الصدمة في "الطب النفسي الإنسانيّ" العالميّ51. تميل دراسات الصدمة في فلسطين إلى التركيز على أحداث معيّنة دون غيرها، كالاعتقال الفرديّ بدلًا من تجارب جماعيّة مثل نكبة عام 1948ء52.

تؤدّي الأسرة الممتدّة دور شبكة الدعم الاجتماعي، ولهذا يمكنها تعزيز معايير أو بُنى اجتماعيّة جندريّة "تقليديّة" التي توفّر طريقة [شائعة] للشعور بالأمان وبالتالي المقدرة على التكيّف مع صدمة الاحتلال، ويكون ذلك من خلال الزواج أو الاعتماد على رجلٍ "عائلًا" اقتصاديًا53. إلّا أن المنظمات غير الحكوميّة قد تختلف مع الالتزام والاحتفاظ بهذه الأدوار الجندريّة لأنّه لا يتناسب مع آرائها حول تعزيز دور المرأة54. يمكن لمراسم الدفن والموت في شكلها التقليديّ والثقافيّ أن يكون شكلًا من أشكال "المقاومة النفسيّة والاجتماعيّة"55، ويُحتفى بتشييع جثمان الشهيد (من الملصقات في الشارع إلى وسائل التواصل الإجتماعي) لرؤية الموت [التضحية] جزءًا من القضيّة السياسيّة. يمكن لطريقة استجابة البالغين لأحداث الصدمة أن تؤثّر على قدرة الأطفال وآليّات تكييفهم مع الصدمة، وذلك مثلًا من خلال التدخّل [المفرط في حياتهم] أو تقديم الدعم لهم، ممّا قد يشكّل "حاجزًا" أو "عاملًا وقائيّا" لتطوير اضطراب ما بعد الصدمة56. مع ذلك، قد لا يشارك الناس تجارب صدمة وضيق مرّوا بها خوفًا من الرفض الاجتماعيّ والمحرّمات الاجتماعيّة [العيب] حول الأمراض النفسيّة؛ ولهذا قد لا يظهروا أي عوارض إلا أن تصل الحالة إلى وضع حرج وتنتهي - مثلًا - بالانتحار الذي تؤثر معدّلاته المرتفعة على النساء بشكل غير متناسب [أكبر]57. أشكال التكيّف متداخلة ومتأرجحة بين الفرد ومحيطه الاجتماعيّ، تقودها المعتقدات [الدينيّة والروحانيّة] والقيم والموارد الماديّة. توجد أيضًا أشكال أخرى [بديلة] من التكيّف والتشابك تشمل مجموعات تواصل أونلاين (عبر الإنترنت)، واتصالات بين مجموعات الشتات عبر العالم، ومجموعات كويريّة للتعدديّة الجندريّة والجنسيّة.
حتاج لإعادة صياغة الحديث عند مناقشة اضطراب ما بعد الصدمة في فلسطين، وعلى المصطلحات المتعلّقة بالموضوع أن تلائم السياق المحليّ. تشير ريتّا جقمان إلى مساهمة الاستخدام الواسع للغة الطب الغربيّة في معالجة الصدمة في "طمس المعنى السياسيّ والاجتماعي الذي ننسب به تجربتنا الاجتماعيّة كفلسطينيين"58.

(نحو) خاتمة قصيرة

يستجيب من تعرّض "لعنفٍ سياسيّ وعسكريّ" للصدمة بشكلٍ خاص ويطوّر اضطراب ما بعد صدمة معقّد وطويل الأمدّ، تتناقله الأجيال. من المهمّ فهم الصدمة (واضطراب ما بعد الصدمة) - في السياق الفلسطيني - خارج مفاهيم الطب البشريّ، لأنّ "شخصنة الحرب وتسييس الصحّة"59 تنبعان من تأثيرات الاحتلال؛ تأثيرات متفشية وخبيثة تسبّب "فصل عنصريّ اجتماعيّ ونفسيّ"، إضافة إلى الفصل العنصري المُمنهج60. وفيما يتعلّق بطرق العلاج، لا يساعد النّظر بالصدمة على أنّها اضطراب أو حالة مرضيّة فرديّة، بل نتيجة لبيئة الاحتلال العسكريّ والفصل العنصريّ؛ ولا يمكن معالجة الحالات المعقّدة وطويلة الأمد كما ينبغي من خلال التغييرات المستمرّة في سياسات الرعاية الصحيّة قصيرة الأمد، حيث توجد الحاجة لبُنى مستدامة؛ إذ يقلّل واقع فلسطين ومناطقها المقسّمة من جودة الرعاية الصحيّة (والمجتمع ككلّ) ويجعلها مجزّأةً. يركّز الطب النفسيّ الدوليّ والمنظّمات الإنسانيّة - في الوقت ذاته - على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الفرديّة والطبيّة فقط، بدلًا من تناولها على مستوى جماعيّ وبنيويّ. تعمل المنظّمات الإنساسيّة هذه ضمن إطار سوق عمل الليبراليّة الجديدة، وتشجّع الاعتماد على المساعدات الخارجيّة للرعاية الصحيّة الأساسيّة، وتعرقل بناء وتطوير نظام رعاية صحيّة فلسطينيّ [محليّ]. تُفسد [قيمة] أيّ مساعدة إنسانسيّة من أجل الرعاية الصحيّة والدعم المجتمعي تقدّمها الدول الغربيّة من خلال المنظّمات غير الحكوميّة الدوليّة كمنظمة الصحّة العالمة أو وكالة الأونروا، بسبب صفقات الأسلحة المستمرّة مع إسرائيل؛ أسلحة تسبب بشكل مباشر أضرارًا جسديّة ونفسيّة بين الفلسطينيين.

المعرفة المحليّة والمجتمعيّة في فلسطين مهمّة جدًا؛ إذ تقول جقمان أنّ "إنتاج المعرفة" يصبح "جزءًا من مقاومة مأزق الاستيطان الاستعماري"61. يتّبع الاحتلال في فلسطين أساليب استيطان استعماري سابقة، لكنّه يصقل تقنياته [الخاصّة] ويوسّع من انتشار طرق سيطرته؛ كما تكرّر دولة إسرائيل - معتبرة نفسها إستثنائيّة - تجاهلها للقانون الدوليّ والتهرّب من عقوباته. تقدّم صور وسائل الإعلام عادةً وجهة نظر مختزلة أو مزدوجة وجوهريّة "لجانبي الصراع"، غالبًا ما تبدو "مثيرة للجدل" أو "غير قابلة للحلّ" باعتبارها "موضوعًا" يسمح للمجتمع الدوليّ تجنّبه. لكنّ النضالات السياسيّة معقّدة ومتقاطعة في بينها ومتخطّية للحدود القوميّة. يمكن للظالم أن يكون مظلومًا في نفس الوقت، حيث اضطهاد اليهود حول العالم مستمرّ حتّى الآن ـــ وكذلك ممارسة دولة إسرائيل الفصل العنصري واحتلالها لفلسطين. تستغلّ دولة إسرائيل بعض روايات الاضطهاد بشكل متهكّم واستراتيجيّ من أجل مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة، التي لا تساهم في حماية أي مجموعة أقليّة [تعيش فيها]. تعتمد دولة إسرائيل إثارة "الجدل" لكي تستفيد إستراتيجيًّا من "تعقيدات جغرافيّة وقانونيّة أو لغويّة" مع إجراءات جدًا بيروقراطيّة ودائمة التغيّر، بهدف جعل الوضع "جدًّا معقّد" لا يسمح بأي تدخّل دوليّ. إنّ الاعتماد على المختصّين لايجاد حلٍّ للاحتلال "واستثناء عامّة الناس من الموضوع" من أبرز تقنيّات البروباغندا الإسرائيليّة" (فايتسمان، 2006)62. تقّدم التوجّهات الشعبيّة والمنظّمة ذاتيّا - مثل حركة المقاطعة الدوليّة - طريقة لإحباط هذه الدعاية، بكونها حركة منظّمة ومتخطّية حدود القوميّة تضع قمع الفلسطينيين تحت الضوء بهدف إنهاء الفصل العنصريّ.

عن حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)

  1. الوضع الصحي والخدمات الصحيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، د. ريتا جقمان ورنا خطيب ولؤي شبانة وأخرون.
  2. تعريفات بحسب مؤسسّة مايند (mind) الخيريّة للصحّة النفسيّة في بريطانيا
  3. الحاجة في الصحّة النفسيّة في فلسطين، عبد الحميد عفانة وسمير قوتة واياد السراج وبرنامج غزة للصحة النفسية، 2004
  4. الفلسطينيون في الضفة الغربية بين هدم منازلهم وآمالهم، أطبّاء بلا حدود (2019)
  5. إدماج الصحّة النفسيّة في خدمات رعاية الصحّة الأوليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة: دراسة مستعرضة، مصطفى المصري وضياء صايمة ومحمود ضاهر وفؤاد العيساوي، 2013
  6. لا يتمّ تصنيف غزّة رسميّا "منطقة نزاع" على الرغم من هجمات جيش الدفاع الإسرائيليّ العسكريّة المتكرّرة والمتزامنة مع كتابة هذا النصّ - في نيسان 2019.
  7. نفس المرجع
  8. خدمات الصحّة النفسيّة وحاجاتها في الضفّة الغربيّة في فلسطين، محمّد مرعي وبِن هانيغان وأليد جونس، 2016
  9. أرض جوفاء: الهندسة المعماريّة للاحتلال الإسرائيلي، إيال فايتسمان، 2006
  10. نفس المرجع 2006
  11. أشيب مبيمبي، السياسات النكروويّة (أو سياسات الموت) 2003
  12. نفس المرجع 2003:27
  13. يمكنكم الحصول على مزيد من المعلومات حول اضطراب ما بعد الصدمة والعلاجات المستخدمة عبر موقع مؤسسّة مايند (mind) الخيريّة للصحّة النفسيّة في بريطانيا (باللغة الإنجليزيّة)، وموقع الكلية الملكية للأطباء النفسيين (باللغة العربيّة)
  14. حوار مع أورسولا مكركر من مؤسسة أجنحة الأمل للصدمات النفسية، بيت لحم، كانون أوّل 2019.
  15. يمكن العثور على المزيد من المعلومات حول طرق العلاج المختلفة باللغة العربيّة هنا:
    16.يمكن العثور على المزيد من المعلومات حول مضادات الاكتئاب هنا:
  16. الصدمة والعنف والصحة النفسيّة، سمير قوتة، 2000
  17. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  18. "العالم الضائع في الصحّة النفسيّة الدوليّة"، ماجي هايليمريام وسوماترا باتاري، 2020؛ و"ثورة الصحّة النفسيّة الدوليّة"، تانموي غوسوامي، 2020
  19. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  20. نفس المرجع
  21. "عندما تسافر الجروح" و "نحو منظور إقليمي حول الصحّة والأمن البشريّ"، عمر الديوجي
  22. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  23. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  24. التفكير وراء تعهّد العاملين في مجال الصحّة النفسيّة لجمعيّة Palestine Open Democracy، سماح جابر وإليزابيث بيرجر، 2015
  25. الدكتورة سماح جبر، الضرر غير المرئي لحياة تحت الاحتلال، 2014. ميمو: مونيتور الشرق الأوسط، أجرت المقابلة إمانويلا إيبوستي
  26. الحاجة في الصحّة النفسيّة في فلسطين، عبد الحميد عفانة وسمير قوتة واياد السراج وبرنامج غزة للصحة النفسية، 2004
  27. نفس المرجع، صفحة36
  28. نفس المرجع، صفحة 38
  29. عن مركز بتسيلم في نفس المرجع، صفحة 47
  30. نفس المرجع، صفحة 32
  31. المركز الفلسطيني للإرشاد، 2009
  32. لمركز الفلسطيني للإرشاد، 2012
  33. القنابل الصوتيّة في سماء غزّة، مركز بتسيلم، 2016
  34. الحاجة في الصحّة النفسيّة في فلسطين، عبد الحميد عفانة وسمير قوتة واياد السراج وبرنامج غزة للصحة النفسية، 2004
  35. الحق في التشويه، جاسبير بوار2017
  36. تبعًا لما تمّ استكشافه في أبحاث الطب النفسيّ من خلال وجهات نظر ما بعد الاستعمار، يشمل فرانز فانون (معذبو الأرض ، 1961) ورولاند ليتلِ وود (الاستعمار والطب النفسي ، 2001).
  37. أعراض وإغواء وتحطيم: قراءة في مقاومة الطبّ النفسيّ من خلال عدسة ما بعد الاستعمار، تشاينا ميلز، 2015
  38. النماذج الناشئة في الرعاية الصحيّة النفسيّة للاجئين، تشارلز والترز
  39. مقهى فلسطين 4، المركز الفلسطيني للإرشاد (فرع بيت حنينا)، يُعاد غنادري حكيم، 30 أيّار 2020
  40. ibid (2020) نفس المرجع
  41. إعادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  42. إدماج الصحّة النفسيّة في خدمات رعاية الصحّة الأوليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة: دراسة مستعرضة، مصطفى المصري وضياء صايمة ومحمود ضاهر وفؤاد العيساوي، 2013
  43. التعامل مع الصدمات والمصائب بين الفلسطينيين في قطاع غزة: تحليل نوعي مستنير بالثقافة، عبد الحميد وآخرون، 2018
  44. وجهات نظر إسلاميّة في أخلاقيّات الطبّ النفسيّ، محمّد أبو الليل رشيد، 2015
  45. التعامل مع الصدمات والمصائب بين الفلسطينيين في قطاع غزة: تحليل نوعي مستنير بالثقافة، عبد الحميد وآخرون، 2018؛ وست عائلات البقاء والتنقل في زمن الأزمات والعيش في فلسطين: الأسرة والبقاء والمقاومة والتنقّل في ظلّ الاحتلال، لميس أبو نحلة، 2006
  46. التعامل مع الصدمات والمصائب بين الفلسطينيين في قطاع غزة: تحليل نوعي مستنير بالثقافة، عبد الحميد وآخرون، 2018
  47. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  48. "علينا التعاون مع بعضنا البعض ضدّ العدوّ"، من (وكالة ونشاط الأطفال في المدرسة ودورهم الوقائيّ ضدّ صدمة الحرب المستمرّة والعنف السياسيّ في قطاع غزّة)، جويدو فيرونيس واليساندرو بِيبِه وعلاء جرادة وفداء المرنّق وحسام حمدونة
  49. إعادة النظر في الصدمة: من أجل علم نفسيّ مجتمعي في فلسطين، لينا معاري، 2015
  50. (2015) نفس المرجع
  51. (2015) نفس المرجع
  52. ست عائلات البقاء والتنقل في زمن الأزمات والعيش في فلسطين: الأسرة والبقاء والمقاومة والتنقّل في ظلّ الاحتلال، لميس أبو نحلة، 2006
  53. ست عائلات البقاء والتنقل في زمن الأزمات والعيش في فلسطين: الأسرة والبقاء والمقاومة والتنقّل في ظلّ الاحتلال، لميس أبو نحلة، 2006
  54. الموت الحي، استعادة الحياة: المقاومة النفسيّة وقوّة الموتى في القدس الشرقيّة، نادرة شلهوب كيفوركيان، 2014
  55. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  56. وزارة الصحّة الفلسطينيّة في مقالة ديانا الغول في العربيّ، 2019
  57. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  58. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  59. الموت الحي، استعادة الحياة: المقاومة النفسيّة وقوّة الموتى في القدس الشرقيّة، نادرة شلهوب كيفوركيان، 2014
  60. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  61. 2006 أرض جوفاء: الهندسة المعماريّة للاحتلال الإسرائيلي، صفحة 9, إيال فايتسمان،

يترك العنف السياسي الممنهج والمتواصل أثرًا سلبيّا في صحّة الفلسطينيين النفسيّة عبر أجيال متعدّدة؛ وتلعب الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة "دورًا محدّدًا ورئيسيّا" في الصحّة في فلسطين 1، أكبر من دور عوامل أخرى بسبب التقييدات المفروضة على الاقتصاد وحريّة الحركة، والتي تؤثر على الرعاية الصحيّة والتدريب [المهنيّ] وامكانيّة الحصول على الأدويّة.

تشمل حالات الصحّة النفسيّة في فلسطين الاكتئاب واضطراب القلق واضطرابات ما بعد الصدمة 2PTSD. يمكن للأمراض النفسيّة أن تكون مزمنة وطويلة الأمد، وأن تتزامن مع أمراض جسديّة أو أعراض فسيولوجيّة تشمل أوجاع مزمنة وأرق. يحتاج حوالي ثلث السكّان الفلسطينيين إلى تدخّل في الصحّة النفسيّة3؛ إذ يوجد نقص في تمويل وفي موارد البنية التحتيّة لخدمات الصحّة النفسيّة والتدريب عليها، إضافةً إلى وجود عوائق ناتجة عن تصوّرات اجتماعيّة ونمطيّة تجاه الأمراض النفسيّة التي لها أن تعيق من تلقي العلاج. يعيش الفلسطينيون تحت تهديد جسدي مستمرّ من تعنيف حياتهم وحياة عائلاتهم وصحّتهم، ويشمل هذا التهديد الضرب والتحقيق والتعذيب وإطلاق النار من قِبل جيش الدفاع الإسرائيلي. قد يتفاقم الإحباط واللامبالاة وتندثر ثقة نفس الفلسطينيّين بسبب مواجهة الحواجز العسكريّة وحواجز الطرق الدائمة، وبفعل المضايقات والإذلال من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي أو من سكّان المستوطنات، أو بسبب مشاهدة أعمال العنف والإساءة المتكررين. لدى الفلسطينيين شعور دائم ينقصه الأمان والسلامة بسبب وضعهم المتأرجح بين اللجوء والتهديد المستمر بهدم منازلهم؛ ويثبط هذا عزيمتهم في التخطيط وبناء المشاريع ويخلق حالة ضبابيّة في رؤية المستقبل. يصف سرد وإيديولوجيّة "أمن" دولة إسرائيل الفلسطينيين "بالتهديد الديموغرافي" ويتعامل معهم على هذا الأساس، ويؤثر هذا سلبيًّا في تصوّرهم لذاتهم، وعلى قدرة العائلات والتجمّعات الفلسطينيّة في إعالة أنفسهم. تنتشر المشاكل النفسيّة في الضفّة الغربيّة بكثرة وتوصف بأنّها "أزمة غير مرئيّة"4، إذ يعاني 38٪ من سكّان قطاع غزّة من مشاكل نفسيّة5، حيث معدّل حالات إضطراب ما بعد الصدمة PTSD هناك الأعلى عالميّا (خارج مناطق النزاع الفعّالة)6. تتكرّر هذه الحالات بشكل غير متناسب في بعض التركيبات الديموغرافيّة، وتشمل النساء وكبار السنّ وأشخاص يعانون من أمراض جسديّة مزمنة7؛ ومع ذلك، عادة يقلّ عادةً تداول الأمراض النفسيّة في التقارير [الطبيّة] في فلسطين8.

قد يبدو الزحف الاستيطاني وتوسّع البنى التحتيّة الإسرائيليّة [في الضفّة الغربيّة] بمثابة أعمال عاديّة ويوميّة، لكنّها جزء من أدوات حرمان معاصرة [تستعملها إسرائيل ضد الفلسطينيين9. تسمح الحواجز العسكريّة ونقاط التفتيش غير الثابتة والعشوائيّة وحواجز الطرق التي يتغيّر مكانها بشكل يوميّ بوجود شكل منزلق وغير واضح من مراقبة الحدود العسكريّة، وتتحوّل البيئة بفعل هذا إلى مكان "متقلّب ودائم التغيير" وآخذ بالتقلّص، "يشتد من حول رقابهم كحبل مشنقة"10. التوسّع [الإسرائيلي] على حساب الطاقة الحيويّة [الفلسطينيّة] كهيمنة سلطة الدولة التي تتحكّم في حياة مواطنيها؛ يصف أشيل مبيمبي سلطة الحياة والموت (necropolitics) كامتداد لهذه الهيمنة التي لها أن تفرض حالة إخضاع شبيهة "بالحيّ الميّت"، أو أنّها تتحكّم بشكل مباشر بحياة وموت بعض المواطنين11. تبخّس قيمة الحياة تحت قمع كهذا إلى درجة "الموت الاجتماعي" الذي تعيشه الناس، حيث يقول مبيمبي: "أكثر أشكال سلطة الموت (necropower) إنجازًا هو الاحتلال الاستعماري الحالي في فلسطين"12.

ماهي الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة PTSD؟

قد يتطوّر اضطراب ما بعد الصدمة، وهو نوع من اضطرابات القلق13، عندما المرور بتجربة صادمة أو "حادّة" - غالبًا ما تكون مهدّدةً للحياة - أو عند مشاهدة حدوثها. قد يؤدي ذلك إلى أعراض وتجارب لها أن تشوّش حياة الشخص اليوميّة وقدرته على تكوين علاقات صحيّة مع نفسه ومع الآخرين. قد تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة "أحداث من الماضي" (flashbacks - وكأن الشخص يعيش تجربة الصدمة من جديد)، وأفكار سلبيّة وذكريات مؤلمة للتجربة (بما في ذلك صور وأصوات وروائح)، وأعراض جسديّة مثل الغثيان، والأرق وكوابيس تؤدي إلى تقطّعٍ في النوم، ويقظة مفرط بها - الشعور بالتيقّظ الدائم - وحساسيّة جامحة للمنبّهات. من الممكن لهذا أن يؤدي إلى سلوكيّات مضّطربة تقود إلى التدمير الذاتي، لتشمل الأذى النفسي وتعاطي الكحول والمخدّرات. لا تؤدي جميع التجارب الصادمة بالضرورة - وبشكلٍ تلقائي - إلى اضطراب ما بعد الصدمة طويل الأمد، حيث من الممكن أن يعاني بعض الناس من "تفاعل حادّ للوضع" بدلًا من ذلك؛ وقد تطوّر الأعراض في وقت لاحق من الحياة مؤدية إلى "اضطراب ما بعد الصدمة المتأخّر".

من الأرجح حدوث تعقيد في اضطراب ما بعد الصدمة ليتحوّل إلى اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد c-PTSD، إذا تكرّرت تجارب صادمة متعدّدة لفترة طويلة من الزمن في حياة الشخص، أو في فترة مبكّرة من العمر: فترة الطفولة. قد يعاني الشخص من صدمة غير مباشرة وثانويّة أو بديليّة بمجرّد العيش مع شخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد، أو بسبب مشاهدته لممارسة العنف ضدّ الآخرين، أو مشاهدة أحداثٍ [عنيفة] على شاشة التلفزيون. النطاق الزمني للتدخّل وعلاج اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد مهمّ جدّا، فيمكن للفترة الزمنيّة بين تعيين موعدٍ أوّليّ [مع المعالج أو الطبيب] وبين التشخيص النهائي أن تكون طويلة، لأنّ تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من الأمراض النفسيّة "الحادّة" ليس سهلًا، وغالبًا لا تكون معروفة بين الأطبّاء حتّى المتخصصين في الصحّة النفسيّة. تزداد احتماليّة تطوّر الحالة لتتحوّل إلى طويلة الأمد مع ازدياد تأخّر العلاج عن زمن حدوث التجربة الصادمة. يوجد توسّع متزايد في تعريف مفاهيم الصدمة، يشمل: الصدمة الجماعيّة (اضطراب ما بعد الصدمة يعانَى منه على نطاق جماعي بدلاً من التشخيص الفرديّ)، ودراسة تناقل الصدمات بين الأجيال في حقل علم ما فوق الجينات (epigenetics)، أو كيف تُنقل ردّات فعل لحالات إجهاد وراثيّا. يمكن لمعدّلات اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد أن ترتفع - وتنتشر بشكل جماعيّ - بسبب التفاوتات الاجتماعيّة والتهميش، وتكون أيضًا مرتبطة فيها.

قد يكون تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة أمرًا صعبًا، وذلك بسبب نقص في فهم الصدمة وتأثيراتها حتّى بين المختصين في مجال الصحّة النفسيّة. يوجد كمّ واسع من التعابير العاطفيّة والسلوكيّة المختلفة للصدمة مكوّنة "أعراض" مرئيّة بين مختلف السكّان، حيث على سبيل المثال، قد تظهر أعراض الصدمة لدى الرجال بشكلٍ عدوانيّ. يؤثّر هذا على من لديه المقدرة للحصول على هذه الخدمات، فيضعف احتمال سعي الرجال في فلسطين إلى تلقي العلاج أو قبوله، بسبب تصوّر اجتماعيّ مضمونه أنّ خدمات الصحّة النفسيّة مخصّصة للنساء والأطفال فق14.

تشمل علاجات اضطراب ما بعد الصدمة العلاج النفسي (عن طريق الحديث)، وعلاجات معيّنة لمساعدة تخطيّ حالات الصدمة مثل: تمارين تفريغ الصدمة (TRE - Trauma Release Exercises)، وحركة العينين المعالجة أو إزالة حساسيّة حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR - Eye Movement Desensitisation and Reprocessing)، والعلاج السلوكي الجدلي لضبط المشاعر (DBT - Dialectical Behavioural Therapy)٠15. تظهِر طرق العلاج المتنوّعة مرونة في الجهاز العصبيّ، أو قدرة الدماغ على التغيّر وتشكيل شبكات عصبيّة جديدة، على الرغم من التأثيرات العميقة والطويلة لاضطراب ما بعد الصدمة. تشمل أدوية الحالات النفسيّة وحالات اضطراب ما بعد الصدمة مضادات الاكتئاب أو مضادات الذهان16.

مالت دراسات اضطراب ما بعد الصدمة - على الصعيد الدوليّ - إلى الاتّكاء على التمويل الحكوميّ والعسكريّ مركّزةً على الجنود المتورّطين في القتال؛ لكن أظهرت دراسات سنوات التسعين وصاعدًا تغييرًا [في مفهوم] أساليب الحرب التي تستهدف المدنيين بشكل متزايد17. على الرغم من عدم تصنيفها منطقة نزاع، إلّا أنّ فلسطين تقع تحت احتلال عسكريّ من قبل دولة إسرائيل، ويزداد فيها بشكل سريع معدّل حالات اضطراب ما بعد الصدمة. ترتبط معدّلات مرتفعة من اضطراب ما بعد الصدمة أو أعراض مختلفة مع أنواعٍ مختلفة من الصدمة، منها: تجارب [صدمة] تحدث لمرّة واحدة فقط، مقابل حوادث الصدمة المستمرّة، حيث ضحايا تشريد الأطفال والتعذيب والاعتداءات الجنسيّة أكثر عرضة لتطوير اضطراب ما بعد الصدمة المعقّد. يزداد عدد الأطفال - كشريحة سكّانيّة ـ الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة في مناطق الصراع عالميًّا، ليشمل ذلك منطقة فلسطين18. بالإضافة إلى الخطاب الغربيّ، توجد تفاوتات هيكليّة في أبحاث الطبّ النفسيّ العالميّة تؤديّ إلى هيمنة في صناعة الأدوية لصالح شركاتٍ موجودة في بلدان ذات الدخل المرتفع، التي تهدف إلى توسيع تسويق سلعها بشكل عالميّ لتشمل بلدان الدخل المنخفض، مكوّنةً بذلك سوقًا جديدة19.

اضطراب ما بعد الصدمة في السياق الفلسطيني

تنبع أهميّة البحث في اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمع الفلسطيني بشكل خاص من "استمراريته وتواصله"، بسبب استمرار وجود صدمات متعدّدة ذات تأثيرات تراكميّة20. يتعرّض الأطفال في فلسطين "لحوادث يوميّة (صادمة) لفترةٍ طويلة (مدى الحياة)"21، بدلًا من التعرّض لتجربة [صدمة] واحدة، حيث تكون أسباب وتجارب الصدمة مقترنة بتجربة الشخص بشكلٍ فرديّ؛ لكن في السياق الفلسطينيّ، يتوزّع حجم الصدمة بشكلٍ جماعيّ وعلى نطاقٍ زمنيّ متوارث. يصف البروفيسور عمر الديوجي الصدمة الجماعيّة "بالجرح الاجتماعي"22، الذي يصيب أو يجرح النّاس جماعةً بدلًا من الأفراد كلّ على حدى، والذي له أيضًا أن يؤثّر على نسيج التفاعل الاجتماعى ودعم المجموعات. يمتدّ تأثير الاحتلال الإسرائيليّ في حياة الفلسطينيين بشكلٍ واسع، حيث تحوّلت الجبهة الداخليّة إلى ساحة حرب23، وتكون الانعكاسات جسديّة ونفسيّة على حدّ سواء، وتُحتسب الصدمة "إصابة غير مرئيّة" أو "جرح داخليّ" في كثيرٍ من الأحيان24. تستعمل دولة إسرائيل طرق اعتقال وتعذيب كثيرة تفضي بعواقب جسديّة ونفسيّة، "وتُنشئ مشكلة صحيّة ونفسيّة عامّة وبارزة" في فلسطين25. يؤثّر هذا على الرجال في فلسطين بشكلٍ مختلف، إذ من الصعب لهم تقبّل العلاج النفسيّ بسبب أراءٍ مسبقة عن الموضوع: فقد يضعضع هذا الأمر من تقديرهم كأبطال تحمّلوا مرارة السجن، لذا يقوم أفراد العائلة بأغلب الإحالات بدلًا من الرجال أنفسهم26.
طرأ كذلك تغيير على نسيج المنزل الفلسطينيّ بسبب غياب الزوج في أغلب الأحيان، سواء كان يعمل بعيدًا في إسرائيل، أو معتقل من قبل إسرائيل، أو قُتل على يد جيش الدفاع الإسرائيليّ، أو أنّه يعاني تأثير صدمة ما27. يؤثّر سياق الصدمة الجماعيّة على المنزل والعائلة والدور الاجتماعيّ، حيث تعرّض حوالي 25٪ من نساء غزّة للعنف المنزلي، بسبب سعي الرجال لاستعادة سيطرتهم أو قوّتهم في حالات يشعرون فيها بالعجز.

تترك خسارة المنزل والممتلكات [الماديّة] أو الدخل [الماليّ] بسبب الهدم الإسرائيلي [للبيوت الفلسطينيّة] أثرًا نفسيًّا، وتعطّل التربية والتعليم وتقطع روابط الدعم العائليّة والأسريّة، وتؤدّى إلى الفقر. يشكّل العيش في ظلّ تهديدات الهدم المنزلي المستمرّة جزءًا من "اضطراب مزمن" في حياة الفلسطينيين28، وجزءًا آخرَ من التهجير المتكرّر ليتحوّل إلى "صدمة مستمرّة"29 بدلًا من حادثة أو تجربة واحدة. ضعف القدرة الماديّة لدى العائلات والمجموعات الأسريّة لإعادة ترميم أنفسهم بعد الهدم هو عاملٌ إضافيّ للقلق والاكتئاب. تتمّ أغلبيّة عمليّات الهدم - غالبًا في ساعات الليل المتأخّرة - دون سابق إنذار30، وقد تؤدّي إلى إصابات جسديّة وموت بسبب إحتمال وجود الناس داخل بيوتهم خلال عمليّة الهدم. يميل الهدم للتأثير على امتداد العائلة بأكملها، حيث تعيش عائلات كثيرة في مساكن مكتظّة وتتشارك أجيال متعدّدة ذات البيت أو العمارة السكنيّة نفسها، أو البيت والعمارة المجاورين. قد يهدف الهدم بيتًا واحدًا أو عمارة واحدة أو حيًّا بأكمله، بغية "معاقبة" شخص واحد - يعيش في المنطقة - متّهم بجريمة ما. يُجبر سكّان البيت المهدوم التكفّل بدفع تكاليف الهدم، أو أنّهم يمنحون "اختيار" هدم منزلهم بأنفسهم بتكلفة أقلّ. تحدث أغلبيّة عمليّات الهدم أثناء مشاهدة الأسرة للحدث؛ على سبيل المثال: يعاني 19٪ من الأطفال في غزّة و97٪ من الأهالي الذين هُدمت منازلهم من أعراض متعلّقة بالصدمة31 والاكتئاب. يكون الأطفال والمراهقون الذين يعيشون في ظروف يعاني فيها أهلهم من صدمة أكثر عرضة لإظهار أعراض صدمة32، والتي قد يتوارث الأجيال تأثيرها؛ تأثيرات اجتماعيّة سيكولوجيّة عميقة تتعلّق بالاكتئاب والشعور بالعجز والعار تجاه الهويّة الفلسطينيّة أو التخلّي عن "القضيّة الفلسطينيّة" [الانتماء]، خصوصًا في حالات لا يستطيع فيها الفلسطينيون النضال أو تحدّي الاحتلال والوقوف في وجهه، وأخيرًا عدم التبليغ عن عمليّات الهدم. لدى شعور العار والذنب هذا المقدرة في خلخلة البنية الأسريّة بشكلٍ دائم، ولذا يمكن اعتبار عمليّات الهدم كشكل من أنواع "التدمير الاجتماعيّ" المتعمّد33. فلسطين هي مثال مهمّ في حالات يستخدم فيها جيش الدفاع الإسرائيليّ الصدمة [النفسيّة] سلاحًا وإستراتيجيّة عسكريّة تشمل استخدام القنابل الصوتيّة. القنابل الصوتيّة هو تكتيك [عسكريّ] غير قانوني لكسر حاجز الصوت، إذ تحلّق طائرات عسكريّة بسرعة فائقة في المجال الجويّ فوق قطاع غزّة لكن على ارتفاع منخفض، وترسل صدمات صوتيّة ودوي انفجارات34. تُستخدم قنابل الصوت خلال ساعات الليل بهدف تعطيل النوم وزيادة التوتّر والخوف والذعر، وتؤدّي إلى صدمات نفسيّة لدى الأطفال (يمكن ملاحظتها في اضطراب القلق والتبوّل في الفراش)، والإجهاض عند النساء؛ تتطوّر لدى الأطفال بشكل متزايد اضطرابات ما بعد الصدمة، فيعاني 32.7٪ من الأطفال في غزّة من مستويات حادّة في اضطراب ما بعد الصدمة، و49٪ من مستويات متوسّطة، و16٪ من مستويات طفيفة35.

الطبّ النفسيّ التثاقفيّ

يُمارس على مستوى دوليّ، إلّا أنّ الطبّ النفسي مبنيّ على قيم وإيديولوجيا تنبع من الثقافات الغربيّة، القائمة على منهج فرديّ في التشخيص وعلاج المرض. تزامن تطوّر العلوم الطبيّة الحديثة والطبّ النفسيّ مع ظهور الإمبراليّة الغربيّة، وكان انتشار نماذج الطبّ هذه بالتاليّ مربوطًا بالاستعمار، حيث هُمّشت أنواع سابقة من التداوي ومعرفة السكّان الأصليين، بل ونُظر إليها باحتقار. يتوزّع نموذج الطبّ النفسيّ الحالي ويُمارس من خلال الاقتصاد النيوليبيراليّ العالميّ؛ ومع ذلك، لا تزال قوّة ميكانيكيّة معيّنة تسمح لدول غربيّة بالغالب بتصدير علاجات وتدريبات وأدويّة نفسيّة لباقي دول العالم. باستطاعة نموذج الطبّ العالميّ في احتوائه الأمراض النفسيّة أن يخدم في كسب الشرعيّة والاعتراف بها [بالأمراض النفسيّة] حالة صعبة ومُعيقة، وكذلك تبنيّ لغة المنظّمات الإنسانيّة الدوليّة غير الحكوميّة لطلب خدمات واحتياجات أساسيّة وجعلها مُتاحة. لكن يمكن لاستخدام خطاب حقوق الإنسان "العالمي" هذا أن يدعم توجّه استعماري جديد تجاه الاعاقة [النفسيّة والجسديّة] في عدّة سياقات ثقافيّة، ذلك لأنّ مفاهيم ومعايير الأمراض النفسيّة والإعاقة تحدّدها كلّ ثقافة بذاتها36.

إنّ طبيعة الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة غامرة تؤدي إلى صعوبة في التعبير والإفصاح [عن المشاعر]، ويقوم من مرّ بتجربة صدمة بكبت مشاعرهم وتجنّب الذكريات كنوع من الدفاع عن النفس. توجد صعوباتٍ عدّة في محاولة "ترجمة" الصدمة إلى مصطلحات يستطيع استيعابها الآخرون، سواءً على المستوى الشخصيّ أو الصحيّ المهنيّ. تتطلّب عمليّة التشخيص الطبيّ إعادة صياغة تجربة [الصدمة] بواسطة مصطلحات طبيّة معيّنة (معرفة قد تكون متأثّرة بالدراسة الرسميّة)، وتعتمد [عمليّة التشخيص] كذلك على تأويل الطبيب والإحالة إلى فريق يقوم أيضًا بتفسير التشخيص، مضيفًا بذلك إلى طبقات الوساطة [للعلاج]؛ كلّ هذا بالإضافة إلى الصور النمطيّة التي تحيط بتلقيّ العلاج النفسيّ وما لها من إعاقة الحصول عليه. تتواجد أيضًا قوى ديناميكيّة عندما لا يستخدم الشخص لغته الأمّ للحديث عن نفسه وعن الصدمة، بل يضطّر للحديث بإحدى لغات المنظمات غير الحكوميّة (أي اللغة الإنجليزيّة). يمكن لاستخدام لغة أجنبيّة مهيمنة - والتي قد تكون منفّرة وغير مألوفة وموضوعيّة - أن يشكّل علاقة عصبيّة ونفسيّة معيّنة؛ وقد يحفّز هذا الانفصال على مزيد من التصرّفات والتعابير التي قد تُحسب ضمن المضاعفات النفسيّة37. يستعرض فرانز فانون وغيره من [مختصّو] الطب النفسيّ النقديّ في فترة ما بعد الاستعمار [خطورة] استعمار العقل، حيث لا تزال الثقافة الغربيّة مهيمنة وتخضع ممارسات الطبّ النفسيّ "لاستعمارٍ طبيّ" وتوقعات "بالالتزام"، أي أخذ الدواء38. تؤدي البُنى التحتيّة المحدودة للطبّ النفسيّ في فلسطين إلى الاتّكاء على المنظّمات غير الحكوميّة الدوليّة، حيث يتطلّب تكييف خدمات هذه المنظّمات لجعلها أكثر نجاعة إلى دعمٍ إداريّ إضافيّ، على سبيل المثال الحاجة إلى مترجمين - من الانجليزيّة إلى العربيّة - ذي خبرة في الرعاية الطبيّة أو النفسيّة. ولا تزال هناك حاجة "لمراقبة" عمل وخدمات المنظّمات غير الحكوميّة، على الرغم من حجم الموارد الكبيرة التي توفّرها، لجعلها متاحة أكثر؛ بالإضافة إلى [الحاجة في التغلّب على] العوائق اللغويّة والثقافيّة الكثيرة، ولا وعي المنظمات الغربيّة في التحيّز والتحامل تجاه متلقي خدماتها وتأثيره على العلاج. لا توجد هنا محاولة بالترويج لطرق العلاج غير الغربيّة، أو إضفاء طابع رومانسيّ لها، لأن لهذه الأساليب التقليديّة أن تكون غير أخلاقيّة أو مؤذية، خصوصًا إذا تمّ إساءة استعمالها (مثل تعاويذ طرد الأرواح الشريرة واستخراج الجنّ). تخطئ المنظمات غير الحكوميّة غالبًا في فهم واستخدام مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة في التمويل والتوزيع الانسانيّ، يُستخدم المصطلح غالبًا لدمج أنواع مختلفة من الاستجابة للصدمة وحصرها في فئة واحدة لأغراض عمليّة، وغالبًا ما يتمّ المبالغة في تقديرها39. لدى مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة تداعيات معيّنة تُأخذ على أنّها أكثر "تطرّفًا" وبالتالي أخطر وأكثر إلحاحًا من حالات أخرى (كالاكتئاب واضطراب القلق، والتي لها أن تؤدّى إلى أذًى جسديّ والانتحار)، وتفضّله [اضطراب ما بعد الصدمة] منظّمات غير الحكوميّة وداعميها [عن غيره من الحالات]40.

علاج اضطراب ما بعد الصدمة في فلسطين

توجد في فلسطين حركات أهليّة تسعى لتطوير أطر الصحّة النفسيّة والإعاقة ولا تستخدم لغة التمويل الخارجيّ ولا تعتمد على موارده الماديّة، لأنّه اعتماد مبنيّ على علاقة تبعيّة بدلًا من الاكتفاء الذاتي. تقول يُعاد غنادري حكيم - من أبرز المعالجين في المركز الفلسطيني للإرشاد - أنّ مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة قد لا يكون دقيقًا أو سديدًا لحالة الصدمة المستمرّة والمتواصلة في فلسطين، بل ويحدّد استخدام المصطلحات الغربيّة من فهمها41. تقترح غنادري حكيم - في هذا السياق - استخدام مصطلح اضطراب الصدمة المستمرّ (Continuous Stress Disorder - CTSD)، كونه أكثر ملائمة لوصف حالة الصدمة المتواصلة؛ كما أنّه توجد حاجة لإعادة النظر في تعريفات الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسيّة في سياق الوضع الراهن في فلسطين (الاحتلال).

أُنشئت منظّمات مثل المركز الفلسطيني للإرشاد ومركز أجنحة الأمل للصدمات النفسيّة لتقديم خدمات العلاج النفسيّ في الضفّة الغربيّة، ومناهضة الصورة النمطيّة لمناقشة الصحّة النفسيّة، كبديل للطرق السائدة التي تتبعها مؤسسات الطبّ النفسيّ والمعالجة بالتخليج الكهربائي. يتّبع مركز أجنحة الأمل للصدمات النفسيّة تمارين تفريغ الصدمة وتقنية الحريّة النفسيّة (tapping therapy)، تمارين جسديّة لتفريغ التوتّر العضليّ؛ ويقدّم مركز برنامج غزة للصحّة النفسيّة نهجًا قائم على بنية المجموعات لمعالجة الأمراض النفسيّة وخدماتٍ معينة للعنف المنزليّ. أجرى معهد الصحّة العامّة والمجتمعيّة في جامعة بيرزيت بحثًا في تخصّصات متعدّدة ونشاطًا منذ الثمانينيّات فصاعدًا، يربط الصحّة بالظروف الاجتماعيّة في فلسطين. ويواصل المعهد بتقديم التدريب، مثل برنامج جمعيّة سيّدات بيرزيت الخيريّة لتدريب عاملي القرية في مجال الصحّة42 كجزء من الرعاية الصحيّة الأوليّة، وبرنامج إعادة التأهيل المجتمعي والاحتياجات الجسديّة الاجتماعيّة لذوي الإعاقة واندماجهم المجتمعي. وتُستخدم معايير خاصّة بسياق [الصحّة النفسيّة] لقياس جودة الحياة في فلسطين، تتضمّن مقاييس مختلفة وفهم دقيق لمفاهيم الكرامة والإذلال والخوف من السيطرة على الأملاك والتهديد. يعجز الاطبّاء والعاملين في الرعاية الصحيّة الأوليّة في غزّة عن تمييز عوامل احتمال التعرّض للخطر وأعراض الأمراض النفسيّة، ويكون عدد الإحالات إلى خدمات الصحّة النفسيّة قليل جدًّا بسبب ذلك43. قد يخطئ الطبيب العام في تشخيص المريض إن لم تكن لديه معرفة في الصحّة النفسيّة أو لم يتدرّب عليها؛ وتوجد آراء مختلفة ومتنوّعة بين اطبّاء الصحّة النفسيّة حول التشخيصات والعلاجات والأدويّة وجرعاتها في حالات اضطراب ما بعد الصدمة. تؤكّد هذه المنظّمات [المذكورة سابقًا] على أهميّة علاج الصحّة النفسيّة طويل الأمد والشامل والقائم على المساعدة المجتمعيّة؛ وتتّبع نهجًا علاجيًّا متشعّبًا لمختلف الأجيال والشباب في المدارس والعائلات والأحياء، يختلف عن النموذج الغربيّ السائد المركّز على العلاج الفرديّ في الأمراض المختلفة. ولهذه المنظّمات المقدرة الجزئيّة على سدّ بعض الفجوات في المجتمع الفلسطيني التي أنهك الاحتلال فيها أشكال الدعم الأسري والمجتمعيّ. ومع ذلك، توجد حواجز وعوائق (لوجستيّة) عدّة في فلسطين تحدّ من الوصول إلى الخدمات الصحيّة ـ حتّى وإن توفّرت - مثل: الحواجز العسكريّة ونقاط التفتيش وحواجز الطرق، أو الحصار الاقتصاديّ على غزّة حيث الفقر وارتفاع أسعار الوقود يحدّان من امكانيّة زيارة العيادة الطبيّة.

المواجهة والصمود الفلسطيني

تتكيّف العلاجات المتماشية مع السياق المحليّ لتشمل الطرق التي شكّلت من خلالها مختلف المجتمعات الفلسطينيّة آليّات تأقلم ثقافيّة في مواجهة الصدمات الجماعيّة المستمرّة44، لتتراوح [هذه الآليات] بين عوامل متعدّدة مثل: العرق والدين والسنّ و[مستوى] التعليم والطبقة الاجتماعيّة إلخ. وفيما يتعلّق بالثقافة والدين، تتواجد أغلبيّة مسلمة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، لديها - إن تحدّثنا بشكلٍ عام - مواقف ثقافيّة محدّدة تجاه الأمراض النفسيّة؛ مواقف ذات قيم أخلاقيّة وروحانيّة [دينيّة] تضع الوحدة الاجتماعيّة المشتركة في أولويّتها بدلًا من الاحتياجات الفرديّة أو المصلحة الشخصيّة45. قد تزوّد المعتقدات الدينيّة أو الروحانيّة بنيةً لمجتمع ما وتزيد من الإحساس بالاستقلاليّة، كما أنّ للإيمان [بالقضاء] والقدر أو مشيئة الله أن تمنح طريقة تأقلم مع الظروف المؤلمة، مثل الفقدان والحداد46.

يستطيع الانخراط والحراك السياسي مع "الالتزام الإديولوجيّ"47 أن يقدّما أيضًا شكلًا من المقاومة، من خلال إضفاء معنى لتجارب [العيش] تحت الاحتلال وحسّ من الهدف المشترك. يمكن اعتبار أعمال معارضة الاحتلال جزءًا من "النضال" و"المقاومة"48، والتي تتنوّع بين الاعتناء بالضعفاء والدفاع الجسدي عن النفس أو رمي الحجارة، والصمود أو المثابرة كاستراتيجيّة سياسيّة جماعيّة. يُنظر إلى الإحساس بالهدف السياسيّ الجماعيّ جزءًا أساسيًّا في القدرة النفسيّة على التكييف لدى الأطفال الفلسطينيين في مواقف لها أن تزعزع الاستقرار في قطاع غزّة49.

.
تغفل عادةً خطابات الطبّ النفسيّ وحقوق الإنسان عن قوّة وتفويض الفلسطينيين الذين عاشوا تجربة السجن والتحقيق والتعذيب في إسرائيل، ودور الصمود، أو أكثر دقّة الامتناع عن الاعتراف والبوح بالأسرار للمحقّقين [الإسرائيليين]، [صمود] ميّز فترة الانتفاضة الأولى (1987-1993)، تغفل الخطابات عن كلّ ذلك باعتباره مقاومة ضد الاستعمار50. يُرى بتحمّل الألم أو التعذيب في هذه الحالة شكلًا من التضحية بالنفس من أجل الجميع، ويكتسب "معانٍ سياسيّة تحوّل من طريقة تحمّله والشعور به"، ويمكن [لتحمّل الألم والتعذيب] أن يتواجد في أشكالٍ متعدّدة الأبعاد أو أكثر تعقيدًا من المفهوم النفسيّ العام لعلاجات الصدمة في "الطب النفسي الإنسانيّ" العالميّ51. تميل دراسات الصدمة في فلسطين إلى التركيز على أحداث معيّنة دون غيرها، كالاعتقال الفرديّ بدلًا من تجارب جماعيّة مثل نكبة عام 1948ء52.

تؤدّي الأسرة الممتدّة دور شبكة الدعم الاجتماعي، ولهذا يمكنها تعزيز معايير أو بُنى اجتماعيّة جندريّة "تقليديّة" التي توفّر طريقة [شائعة] للشعور بالأمان وبالتالي المقدرة على التكيّف مع صدمة الاحتلال، ويكون ذلك من خلال الزواج أو الاعتماد على رجلٍ "عائلًا" اقتصاديًا53. إلّا أن المنظمات غير الحكوميّة قد تختلف مع الالتزام والاحتفاظ بهذه الأدوار الجندريّة لأنّه لا يتناسب مع آرائها حول تعزيز دور المرأة54. يمكن لمراسم الدفن والموت في شكلها التقليديّ والثقافيّ أن يكون شكلًا من أشكال "المقاومة النفسيّة والاجتماعيّة"55، ويُحتفى بتشييع جثمان الشهيد (من الملصقات في الشارع إلى وسائل التواصل الإجتماعي) لرؤية الموت [التضحية] جزءًا من القضيّة السياسيّة. يمكن لطريقة استجابة البالغين لأحداث الصدمة أن تؤثّر على قدرة الأطفال وآليّات تكييفهم مع الصدمة، وذلك مثلًا من خلال التدخّل [المفرط في حياتهم] أو تقديم الدعم لهم، ممّا قد يشكّل "حاجزًا" أو "عاملًا وقائيّا" لتطوير اضطراب ما بعد الصدمة56. مع ذلك، قد لا يشارك الناس تجارب صدمة وضيق مرّوا بها خوفًا من الرفض الاجتماعيّ والمحرّمات الاجتماعيّة [العيب] حول الأمراض النفسيّة؛ ولهذا قد لا يظهروا أي عوارض إلا أن تصل الحالة إلى وضع حرج وتنتهي - مثلًا - بالانتحار الذي تؤثر معدّلاته المرتفعة على النساء بشكل غير متناسب [أكبر]57. أشكال التكيّف متداخلة ومتأرجحة بين الفرد ومحيطه الاجتماعيّ، تقودها المعتقدات [الدينيّة والروحانيّة] والقيم والموارد الماديّة. توجد أيضًا أشكال أخرى [بديلة] من التكيّف والتشابك تشمل مجموعات تواصل أونلاين (عبر الإنترنت)، واتصالات بين مجموعات الشتات عبر العالم، ومجموعات كويريّة للتعدديّة الجندريّة والجنسيّة.
حتاج لإعادة صياغة الحديث عند مناقشة اضطراب ما بعد الصدمة في فلسطين، وعلى المصطلحات المتعلّقة بالموضوع أن تلائم السياق المحليّ. تشير ريتّا جقمان إلى مساهمة الاستخدام الواسع للغة الطب الغربيّة في معالجة الصدمة في "طمس المعنى السياسيّ والاجتماعي الذي ننسب به تجربتنا الاجتماعيّة كفلسطينيين"58.

(نحو) خاتمة قصيرة

يستجيب من تعرّض "لعنفٍ سياسيّ وعسكريّ" للصدمة بشكلٍ خاص ويطوّر اضطراب ما بعد صدمة معقّد وطويل الأمدّ، تتناقله الأجيال. من المهمّ فهم الصدمة (واضطراب ما بعد الصدمة) - في السياق الفلسطيني - خارج مفاهيم الطب البشريّ، لأنّ "شخصنة الحرب وتسييس الصحّة"59 تنبعان من تأثيرات الاحتلال؛ تأثيرات متفشية وخبيثة تسبّب "فصل عنصريّ اجتماعيّ ونفسيّ"، إضافة إلى الفصل العنصري المُمنهج60. وفيما يتعلّق بطرق العلاج، لا يساعد النّظر بالصدمة على أنّها اضطراب أو حالة مرضيّة فرديّة، بل نتيجة لبيئة الاحتلال العسكريّ والفصل العنصريّ؛ ولا يمكن معالجة الحالات المعقّدة وطويلة الأمد كما ينبغي من خلال التغييرات المستمرّة في سياسات الرعاية الصحيّة قصيرة الأمد، حيث توجد الحاجة لبُنى مستدامة؛ إذ يقلّل واقع فلسطين ومناطقها المقسّمة من جودة الرعاية الصحيّة (والمجتمع ككلّ) ويجعلها مجزّأةً. يركّز الطب النفسيّ الدوليّ والمنظّمات الإنسانيّة - في الوقت ذاته - على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الفرديّة والطبيّة فقط، بدلًا من تناولها على مستوى جماعيّ وبنيويّ. تعمل المنظّمات الإنساسيّة هذه ضمن إطار سوق عمل الليبراليّة الجديدة، وتشجّع الاعتماد على المساعدات الخارجيّة للرعاية الصحيّة الأساسيّة، وتعرقل بناء وتطوير نظام رعاية صحيّة فلسطينيّ [محليّ]. تُفسد [قيمة] أيّ مساعدة إنسانسيّة من أجل الرعاية الصحيّة والدعم المجتمعي تقدّمها الدول الغربيّة من خلال المنظّمات غير الحكوميّة الدوليّة كمنظمة الصحّة العالمة أو وكالة الأونروا، بسبب صفقات الأسلحة المستمرّة مع إسرائيل؛ أسلحة تسبب بشكل مباشر أضرارًا جسديّة ونفسيّة بين الفلسطينيين.

المعرفة المحليّة والمجتمعيّة في فلسطين مهمّة جدًا؛ إذ تقول جقمان أنّ "إنتاج المعرفة" يصبح "جزءًا من مقاومة مأزق الاستيطان الاستعماري"61. يتّبع الاحتلال في فلسطين أساليب استيطان استعماري سابقة، لكنّه يصقل تقنياته [الخاصّة] ويوسّع من انتشار طرق سيطرته؛ كما تكرّر دولة إسرائيل - معتبرة نفسها إستثنائيّة - تجاهلها للقانون الدوليّ والتهرّب من عقوباته. تقدّم صور وسائل الإعلام عادةً وجهة نظر مختزلة أو مزدوجة وجوهريّة "لجانبي الصراع"، غالبًا ما تبدو "مثيرة للجدل" أو "غير قابلة للحلّ" باعتبارها "موضوعًا" يسمح للمجتمع الدوليّ تجنّبه. لكنّ النضالات السياسيّة معقّدة ومتقاطعة في بينها ومتخطّية للحدود القوميّة. يمكن للظالم أن يكون مظلومًا في نفس الوقت، حيث اضطهاد اليهود حول العالم مستمرّ حتّى الآن ـــ وكذلك ممارسة دولة إسرائيل الفصل العنصري واحتلالها لفلسطين. تستغلّ دولة إسرائيل بعض روايات الاضطهاد بشكل متهكّم واستراتيجيّ من أجل مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة، التي لا تساهم في حماية أي مجموعة أقليّة [تعيش فيها]. تعتمد دولة إسرائيل إثارة "الجدل" لكي تستفيد إستراتيجيًّا من "تعقيدات جغرافيّة وقانونيّة أو لغويّة" مع إجراءات جدًا بيروقراطيّة ودائمة التغيّر، بهدف جعل الوضع "جدًّا معقّد" لا يسمح بأي تدخّل دوليّ. إنّ الاعتماد على المختصّين لايجاد حلٍّ للاحتلال "واستثناء عامّة الناس من الموضوع" من أبرز تقنيّات البروباغندا الإسرائيليّة" (فايتسمان، 2006)62. تقّدم التوجّهات الشعبيّة والمنظّمة ذاتيّا - مثل حركة المقاطعة الدوليّة - طريقة لإحباط هذه الدعاية، بكونها حركة منظّمة ومتخطّية حدود القوميّة تضع قمع الفلسطينيين تحت الضوء بهدف إنهاء الفصل العنصريّ.

عن حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)

  1. الوضع الصحي والخدمات الصحيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، د. ريتا جقمان ورنا خطيب ولؤي شبانة وأخرون.
  2. تعريفات بحسب مؤسسّة مايند (mind) الخيريّة للصحّة النفسيّة في بريطانيا
  3. الحاجة في الصحّة النفسيّة في فلسطين، عبد الحميد عفانة وسمير قوتة واياد السراج وبرنامج غزة للصحة النفسية، 2004
  4. الفلسطينيون في الضفة الغربية بين هدم منازلهم وآمالهم، أطبّاء بلا حدود (2019)
  5. إدماج الصحّة النفسيّة في خدمات رعاية الصحّة الأوليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة: دراسة مستعرضة، مصطفى المصري وضياء صايمة ومحمود ضاهر وفؤاد العيساوي، 2013
  6. لا يتمّ تصنيف غزّة رسميّا "منطقة نزاع" على الرغم من هجمات جيش الدفاع الإسرائيليّ العسكريّة المتكرّرة والمتزامنة مع كتابة هذا النصّ - في نيسان 2019.
  7. نفس المرجع
  8. خدمات الصحّة النفسيّة وحاجاتها في الضفّة الغربيّة في فلسطين، محمّد مرعي وبِن هانيغان وأليد جونس، 2016
  9. أرض جوفاء: الهندسة المعماريّة للاحتلال الإسرائيلي، إيال فايتسمان، 2006
  10. نفس المرجع 2006
  11. أشيب مبيمبي، السياسات النكروويّة (أو سياسات الموت) 2003
  12. نفس المرجع 2003:27
  13. يمكنكم الحصول على مزيد من المعلومات حول اضطراب ما بعد الصدمة والعلاجات المستخدمة عبر موقع مؤسسّة مايند (mind) الخيريّة للصحّة النفسيّة في بريطانيا (باللغة الإنجليزيّة)، وموقع الكلية الملكية للأطباء النفسيين (باللغة العربيّة)
  14. حوار مع أورسولا مكركر من مؤسسة أجنحة الأمل للصدمات النفسية، بيت لحم، كانون أوّل 2019.
  15. يمكن العثور على المزيد من المعلومات حول طرق العلاج المختلفة باللغة العربيّة هنا:
    16.يمكن العثور على المزيد من المعلومات حول مضادات الاكتئاب هنا:
  16. الصدمة والعنف والصحة النفسيّة، سمير قوتة، 2000
  17. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  18. "العالم الضائع في الصحّة النفسيّة الدوليّة"، ماجي هايليمريام وسوماترا باتاري، 2020؛ و"ثورة الصحّة النفسيّة الدوليّة"، تانموي غوسوامي، 2020
  19. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  20. نفس المرجع
  21. "عندما تسافر الجروح" و "نحو منظور إقليمي حول الصحّة والأمن البشريّ"، عمر الديوجي
  22. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  23. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  24. التفكير وراء تعهّد العاملين في مجال الصحّة النفسيّة لجمعيّة Palestine Open Democracy، سماح جابر وإليزابيث بيرجر، 2015
  25. الدكتورة سماح جبر، الضرر غير المرئي لحياة تحت الاحتلال، 2014. ميمو: مونيتور الشرق الأوسط، أجرت المقابلة إمانويلا إيبوستي
  26. الحاجة في الصحّة النفسيّة في فلسطين، عبد الحميد عفانة وسمير قوتة واياد السراج وبرنامج غزة للصحة النفسية، 2004
  27. نفس المرجع، صفحة36
  28. نفس المرجع، صفحة 38
  29. عن مركز بتسيلم في نفس المرجع، صفحة 47
  30. نفس المرجع، صفحة 32
  31. المركز الفلسطيني للإرشاد، 2009
  32. لمركز الفلسطيني للإرشاد، 2012
  33. القنابل الصوتيّة في سماء غزّة، مركز بتسيلم، 2016
  34. الحاجة في الصحّة النفسيّة في فلسطين، عبد الحميد عفانة وسمير قوتة واياد السراج وبرنامج غزة للصحة النفسية، 2004
  35. الحق في التشويه، جاسبير بوار2017
  36. تبعًا لما تمّ استكشافه في أبحاث الطب النفسيّ من خلال وجهات نظر ما بعد الاستعمار، يشمل فرانز فانون (معذبو الأرض ، 1961) ورولاند ليتلِ وود (الاستعمار والطب النفسي ، 2001).
  37. أعراض وإغواء وتحطيم: قراءة في مقاومة الطبّ النفسيّ من خلال عدسة ما بعد الاستعمار، تشاينا ميلز، 2015
  38. النماذج الناشئة في الرعاية الصحيّة النفسيّة للاجئين، تشارلز والترز
  39. مقهى فلسطين 4، المركز الفلسطيني للإرشاد (فرع بيت حنينا)، يُعاد غنادري حكيم، 30 أيّار 2020
  40. ibid (2020) نفس المرجع
  41. إعادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  42. إدماج الصحّة النفسيّة في خدمات رعاية الصحّة الأوليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة: دراسة مستعرضة، مصطفى المصري وضياء صايمة ومحمود ضاهر وفؤاد العيساوي، 2013
  43. التعامل مع الصدمات والمصائب بين الفلسطينيين في قطاع غزة: تحليل نوعي مستنير بالثقافة، عبد الحميد وآخرون، 2018
  44. وجهات نظر إسلاميّة في أخلاقيّات الطبّ النفسيّ، محمّد أبو الليل رشيد، 2015
  45. التعامل مع الصدمات والمصائب بين الفلسطينيين في قطاع غزة: تحليل نوعي مستنير بالثقافة، عبد الحميد وآخرون، 2018؛ وست عائلات البقاء والتنقل في زمن الأزمات والعيش في فلسطين: الأسرة والبقاء والمقاومة والتنقّل في ظلّ الاحتلال، لميس أبو نحلة، 2006
  46. التعامل مع الصدمات والمصائب بين الفلسطينيين في قطاع غزة: تحليل نوعي مستنير بالثقافة، عبد الحميد وآخرون، 2018
  47. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  48. "علينا التعاون مع بعضنا البعض ضدّ العدوّ"، من (وكالة ونشاط الأطفال في المدرسة ودورهم الوقائيّ ضدّ صدمة الحرب المستمرّة والعنف السياسيّ في قطاع غزّة)، جويدو فيرونيس واليساندرو بِيبِه وعلاء جرادة وفداء المرنّق وحسام حمدونة
  49. إعادة النظر في الصدمة: من أجل علم نفسيّ مجتمعي في فلسطين، لينا معاري، 2015
  50. (2015) نفس المرجع
  51. (2015) نفس المرجع
  52. ست عائلات البقاء والتنقل في زمن الأزمات والعيش في فلسطين: الأسرة والبقاء والمقاومة والتنقّل في ظلّ الاحتلال، لميس أبو نحلة، 2006
  53. ست عائلات البقاء والتنقل في زمن الأزمات والعيش في فلسطين: الأسرة والبقاء والمقاومة والتنقّل في ظلّ الاحتلال، لميس أبو نحلة، 2006
  54. الموت الحي، استعادة الحياة: المقاومة النفسيّة وقوّة الموتى في القدس الشرقيّة، نادرة شلهوب كيفوركيان، 2014
  55. تأثير الصدمات السياسيّة والعسكريّة على الأطفال: القضيّة الفلسطينيّة، أحمد بكر ونادرة شلهوب كيفوركيان، 1999
  56. وزارة الصحّة الفلسطينيّة في مقالة ديانا الغول في العربيّ، 2019
  57. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  58. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  59. الموت الحي، استعادة الحياة: المقاومة النفسيّة وقوّة الموتى في القدس الشرقيّة، نادرة شلهوب كيفوركيان، 2014
  60. عادة تشكيل الصحة العامة في زمن الحرب: من المنظور الطبي إلى "الجروح الداخلية"، ريتا جقمان، 2018
  61. 2006 أرض جوفاء: الهندسة المعماريّة للاحتلال الإسرائيلي، صفحة 9, إيال فايتسمان،