Contemporary Palestine: Overview

177 Words, 0min

فلسطين اليوم: نظرة عامّة

عدد الكلمات 177 زمن القراءة بالدقائق 0

فلسطين اليوم: نظرة عامّة

يعيش الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلّة في ظلّ استمرار الاحتلال العسكريّ وانتهاكات حقوقهم الإنسانيّة وسياسات التهجير والفصل العنصري أو الأبارتهايد، وكذلك تحت ظروف اقتصاديّة واجتماعيّة غير عادلة. يؤثر هذا في جميع أشكال الحياة إبتداءً من المنزل والأسرة والمدرسة والمجتمع والعمل والرعاية الصحيّة؛ بالإضافة إلى تأثيرات ممنهجة وطويلة الأمد يعاني منها الفلسطينيّون عبر أجيالٍ مختلفة على الصعيد الاجتماعيّ والنفسيّ والاقتصاديّ.

تتحكّم دولة إسرائيل في جميع مجالات حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة. لا يملك الفلسطينيون حقّ المشاركة في انتخابات الدولة الإسرائيليّة التي تحتلّهم، لكن يمكنهم التصويت لأحزاب سياسيّة داخل مناطق السلطة الفلسطينيّة، ومع ذلك تكون قوّتهم [السياسيّة] محدودة من قبل إسرائيل. تأسست منظّمة التحرير الفلسطينيّة عام 1964 وأُعترف بها كممثّل شرعي للشعب الفلسطيني على مستوى العالم. أمّا السلطة الفلسطينيّة فقد تأسّست عام 1994 بعد اتفاقيّة أوسلو، وحلّت محل منظمة التحرير لتصبح الممثّل السياسي المهيمن. يوجد حزبان سياسيّان رئيسيّان داخل مناطق السلطة الفلسطينيّة: فتح في الضفّة الغربيّة، وحماس في قطاع غزّة. جرى انفصال داخليّ بين القوى الفلسطينيّة عندما فازت حماس في قطاع غزّة عام 2007، وأصبحت حزبًا سياسيًّا أكثر شعبيّة ومعارضًا للهيمنة. انتفض الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005) ضد الاحتلال الإسرائيلي. لم تحتلّ الدولة الإسرائيليّة فلسطين فحسب، بل احتلت أيضًا - خلال فترات زمنيّة مختلفة - أراضي سيناء من مصر، والجولان السوريّ، وجنوب لبنان.

يُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين وعائلاتهم منذ عام 1948 حتّى اليوم بحوالي سبعة ملايين لاجئ (بحسب وكالة الأونروا)، وتعيش أغلبيّتهم وأجيال مختلفة منهم داخل مخيّمات اللاجئين في لبنان والأردن وسوريّا. توجد أنواع متعدّدة من التهجير القسريّ على مستويات متنوّعة، من بيت العائلة والحيّ إلى المنطقة والدولة؛ يشمل ذلك نكبة عام 1948 وتهجير السكّان الفلسطينيين (إلى الضفّة الغربيّة تحكمها الأردن في ذلك الوقت، وقطاع غزة تحت سيطرة مصر) LINK، ونكسة حزيران (أو حرب الـ67) LINK. تستعمل إسرائيل أساليب متعدّدة لتهجير الفلسطينيين منها عمليات هدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان غير القانوني1. لم تقم السلطة الفلسطينيّة بعد بتسجيل عدد الفلسطينيين النازحين داخل فلسطين بشكل ممنهج، وقد يتفاوت عددهم بسبب ذلك2، وكثيرًا ما يتمّ الاعتماد على منظمات غير حكوميّة لتقوم بذلك3. على الرغم من أن تقسيم عام 1947 أو "الخط الأخضر" الذي اتفقت عليه الأمم المتحدة كان مؤقتًا، فقد أصبح الحدود الفعليّة بين فلسطين وإسرائيل4. ومع ذلك، وفي انتهاك مستمر لتقسيم عام 1947، هناك توسّع استيطاني غير قانوني في الأراضي الفلسطينية تسمح به دولة إسرائيل، بالإضافة إلى جدار فصل مبنيّ في منطقة خارجة عن حدود التقسيم مع إسرائيل، واستمرار الأخيرة في التهرب من تحديد وتعريف حدودها. هناك عمليّة امتداد مستمرّة من خلال توسيع البنية التحتيّة الإسرائيلية من شبكة مياه وكهرباء وعواميد اتصال إلى داخل الأراضي الفلسطينيّة، ليُسمح من بعدها ببناء المستوطنات.

تقييد حريّة التنقّل

تتحكّم دولة إسرائيل في حريّة تنقّل وحركة الفلسطينيين من خلال جدار فصل عسكريّ وحواجز دائمة (ومؤقتة ومتنقّلة) وحواجز طُرق وتصاريح سفر داخل فلسطين: أي من الضفّة الغربيّة إلى شرقيّ القدس أو غزّة، أو داخل المناطق المختلفة في الضفة من أ وب وج، بما في ذلك زيارة العائلة أو الأصدقاء أو السفر للعمل. تقلّل أوقات التنقّل الطويلة بين الحواجز المختلفة من الوقت الذي يمكن قضاؤه في البيت أو المدرسة أو العمل، وتؤثّر على الحياة الأسريّة والتعليم.
تؤثّر أجهزة التحكّم الإسرائيليّة على جميع "الإجراءات البيروقراطيّة والقانونيّة منذ الولادة وحتّى الوفاة"؛ أي منذ تسجيل مولود حتّى "الحصول على تصاريح السفر وإذن للدفن، بالإضافة إلى الحواجز الموجودة المُعيقة لتقاليد الموت وطقوس الدفن."5

سياسات الفصل العنصريّ أو الأبارتهايد

يمكن اعتبار الوضع في إسرائيل وفلسطين ـ بحسب تعريف الأمم المتحدة - دولة أبارتهايد؛ وذلك بسبب الحواجز العسكريّة ونقاط التفتيش التي تعمل وفقًا لنظام بطاقة الهويّة، حيث يخضع الفلسطينيون لفحوصات أمنيّة مختلفة عن تلك التي تُجرى للإسرائيليين؛ وتمنع قوانين الزواج الاختلاط بين المجموعات المختلفة، وتُفرض قوانين وإجراءات محكميّة على الفلسطينيين مختلفة عن الإسرائيليين، ويوجد نظام فصل عنصري يحدّده جدار أمني وطُرق وشوارع مخصّصة للإسرائيليين، وشبكة حافلات منفصلة لتنقّلهم حول المستوطنات في المناطق المحتلّة6. يعرّف القانون الدوليّ للأمم المتّحدة الأبارتهايد "بنظام مؤسساتيّ للقمع المُمنهج وسيطرة مجموعة إثنيّة عرقيّة على مجموعة أو مجموعات أخرى بغية الحفاظ على هذا النظام"7. وُصفت إسرائيل كدولة أبارتهايد على الصعيد الدوليّ من قبل [بعض] الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة ومن أعضاء برلمان آخرين8.

يُعامَل الفلسطينيون سكّان منطقة القدس الشرقيّة ـ جزء من دولة إسرائيل تقنيًا ـ على أنّهم "مواطنون درجة ثانية". ينعكس هذا من خلال تقييدات على الحقّ في امتلاك الأراضي، والعمل، الموارد، وشحّة تمويل التعليم والبنية التحتيّة في المجتمع الفلسطيني. داخل القدس الشرقيّة في إسرائيل، يوجد عزل في الإسكان بشكل كبير. لغة التعليم الأساسيّة هي العربيّة أو العبريّة، مع تخصيص ميزانيّة أقلّ للمدارس الناطقة باللغة العربيّة، ممّا يعزز البطالة المتكرّرة كاستراتيجيّة [تتبعها إسرائيل] في سحب الإستثمار. يتقاضى الفلسطينيون أجورًا أقل بأربعين بالمائة من أجور الإسرائيليين (مشكلين رغم ذلك أغلبيّة عمّال الخدمة ذوي الياقات الزرقاء - الطبقة العاملة المؤدية العمل اليدوي - في الاقتصاد الإسرائيليّ)؛ حتّى لو كانت لديهم نفس المؤهّلات أو أعلى، فهم على الأرجح أن يتحوّلوا إلى عاطلين عن العمل قبل عمّال آخرين [غير فلسطينيين من شرقيّ القدس]9.
يُحرم الفلسطينيون من سكّان القدس الشرقيّة في إسرائيل من المشورة والخدمات الإسكانيّة، وبالتالي يتمّ طردهم فعليًّا خارج مدينة القدس10. بسبب التوسّع الإسرائيلي والتقلّص المستمر في أراضي الضفّة الغربيّة، تتزايد أسعار الإيجار والعقارات وتُدفع الناس نحو الفقر. يعيش حوالي 26٪ من مجمل الفلسطينيين في فقر، بينما تبلغ هذه النسبة معدّل 39٪ في غزّة. يحدّ الحصار الاقتصاديّ والعقوبات المفروضة من نموّ الاقتصاد الفلسطيني، خصوصًا في غزّة، حيث تسيطر إسرائيل على جميع المعابر والحدود التي تدخل منها البضائع، وبسبب إغلاق الأنفاق المؤدية إلى دولة مصر المجاورة منذ عام 2006.

الاعتقال

بات اعتقال الفلسطينيين - رجالًا وأطفال بشكلٍ متفاوت - على يد جيش الدفاع الإسرائيلي أمرًا مُعتاد. واحد من كلّ خمسة فلسطينيين وأربعون في المائة من الرجال تمّ اعتقالهم في الماضي، أو أنّهم تحت الاعتقال الآن، وعادةً ما يتعرّضون للتعذيب11. يُعتقل الفلسطينيون بشكلٍ متكرّر بسبب جرائم بسيطة وغالبًا بطريقة غير شرعيّة. يتمّ احتجازهم دون محامٍ، لأنّ قانون الاعتقال الإداري يخوّل إسرائيل سجن الفلسطينيين دون محاكمة12. تكون الاعتقالات عنيفة بالغالب، وعادةً ما تحدث خلال الليل كجزء من مداهمات منزليّة أو للمباني السكنيّة بأكملها. بعد اعتقالهم، يتعرّض الفلسطينيون للتعذيب خلال التحقيق معهم، ويُحاكمون في محاكم عسكريّة منفصلة عن المحاكم المدنيّة الإسرائيليّة ـ المستعملة للمواطنين الإسرائيليين ـ من دون أي استشارة قانونيّة مُتاحة لهم. تستخدم إسرائيل هذه الاعتقالات كوسيلة سيطرة فقط بدلًا من جعلها متناسبة مع معدّل الجريمة داخل التجمّعات الفلسطينيّة. ازدادت بالتالي نسبة جرائم العصابات والعنف والقتل وتجارة المخدّرات داخل هذه التجمّعات كنتيجة لإهمال الحكومة التي لا تحقّق فيها أبدًا. تشمل الانتهاكات الإسرائيليّة لحقوق الإنسان الاستعمال المتواصل لغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطيّ ضدّ المواطنين، والعنف أو الإساءة من قِبل جيش الدفاع الإسرائيلي في الحواجز العسكريّة، أو من سكّان المستوطنات. يُعتقل الأطفال من منازلهم عادةً خلال منتصف الليل، وكذلك في التظاهرات أو على الحواجز، ويجرّون إلى السجون داخل إسرائيل، ويكون اتصالهم بعائلاتهم جدًّا محدود. يستجوبون ويعذّبون جسديًّا [ونفسيًّا]، ويُحاكمون في محاكم عسكريّة خالية من القضاء العادل، إذ قد تبلغ أقصى العقوبات ـ بتهمة إلقاء الحجارة في الغالب - إلى 10 أو 20 سنة13.

غزّة

قطاع غزّة هو مأوىً ل-1.8 مليون فلسطينيّ وأحد الأماكن الأكثر اكتظاظًا في العالم. هناك انتشار واسع للفقر داخل قطاع غزّة بسبب الحصار (الاقتصاديّ) الإسرائيليّ14، الذي يقيّد الإمدادات الأساسيّة من غذاء ومياه شرب وأدوية وكهرباء، جاعلًا منها جميعًا ذي تكلفة عالية جدًّا. نتيجةً لذلك، يعتمد 80٪ من سكّان قطاع غزّة على المساعدات الإنسانيّة15. يوجد تقييد كبير في حريّة التنقّل، إذ أنّ معظم الغزيين محرومون من السفر خارج قطاع غزّة، حتى ولو من أجل العمل أو لأسباب عائليّة أو طبيّة، أو بهدف التعليم والتدريب [المهني]، أو في حال تعرّضهم لهجوم. هناك هجوم عسكريّ مباشر على قطاع غزّة بواسطة حملات قصف متفرّقة مسببّةً أزمات نفسيّة حادّة، بالإضافة إلى عدم مساواة هيكليّة وطويلة الأمد يفرضها الإحتلال. قُتل 2100 فلسطيني وجُرح عشرة آلاف آخرون16 خلال الحملات الهجوميّة على قطاع غزّة (وازدياد العنف في الضفّة الغربيّة) بين العامين 2014 و 2016، ودُمّر كذلك 11000 منزل أو تحوّلوا غير صالحين للسكّن؛ وأدّى كلّ ذلك إلى أكبر موجة نزوح داخليّة منذ عام 1967. هناك حملة قصف حاليّة [على غزّة] في وقت كتابة هذا النصّ (سبتمبر ـ ديسمبر 2020) وأثناء جائحة الكورونا المنتشرة في العالم. تُستهدف أو تُقطع إمدادات الكهرباء والماء عن المستشفيات والمراكز الصحيّة خلال حملات القصف. تساهم التقييدات على حريّة التنقّل في اكتظاظ قطاع غزّة، حيث توقّعت الأونروا أن يكون "غير صالح للسكن" في حلول عام 2020، وتقلّل سياسة هدم المنازل والقصف المستمرّ التي تتبعها إسرائيل من عدد المباني المُتاحة والصالحة للسكن.

يطلق حرس حدود التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي الذخيرة الحيّة على المتظاهرين في غزّة17، حيث قُتل 34 فلسطينيّ وجُرح 1883 آخرون عام 2019 (مركز الميزان ووزارة الصحّة في غزّة). تؤدّي أنواع الأسلحة المُستعملة من قنابل صوتيّة وطائرات مراقبة من غير طيّار إلى ضوائق نفسيّة أكبر من الضرر الماديّ. استخدام القنابل الصوتيّة هو تكتيك [عسكريّ] غير قانوني لكسر حاجز الصوت، إذ تحلّق طائرات عسكريّة بسرعة فائقة في المجال الجويّ فوق قطاع غزّة لكن على ارتفاع منخفض، وترسل صدمات صوتيّة ودوي انفجارات. يُستخدم هذا التكتيك خلال ساعات الليل بهدف تعطيل النوم وزيادة التوتّر والخوف والذعر، ويؤديّ إلى صدمات نفسيّة لدى الأطفال (يمكن ملاحظتها في اضطراب القلق والتبوّل في الفراش)، وإلى الإجهاض عند النساء. يتّأثر الأطفال بشكلٍ متفاوت من هذه التكتيكات، ويعانون بشكل متزايد من اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD، حيث يعاني 32.7٪ من الأطفال في غزّة من مستويات PTSD حادّة، و49٪ من مستويات متوسّطة، و16٪ من مستويات خفيفة.

  1. المركز الفلسطيني للإرشاد، (2009). بيوت مهدمة: معالجة آثار هدم المنازل على الأطفال الفلسطينيين والأسر الفلسطينية.
  2. ومع ذلك، بدأ كلّ من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظّمة بتسيلم في تتبع هدم المنازل منذ عام 2006 (المركز الفلسطيني للإرشاد 2009: 11).
  3. المركز الفلسطيني للإرشاد، 2009
  4. Green Line: Definition
  5. Nadera Shalhoub Kervorkian (2014) Living death, recovering life: psychosocial resistance and the power of the dead in East Jerusalem LINK Intervention, Volume 12, Number 1, Page 16 - 29 نادرة شلهوب كيفوركيان (الموت الحي، استعادة الحياة: المقاومة النفسيّة وقوّة الموتى في القدس الشرقيّة)، 2014
    6.B'TSelem (2004)
  6. UN Definition of Apartheid تعريف الأبارتهايد بحسب الأمم المتّحدة
  7. visualizingpalestine.org/visuals/hafrada-apartheid
  8. العنصرية المنهجية في الولايات المتحدة وإسرائيل: المقارنات والتناقضات، حلقة نقاش بين نادية أبو الحاج وجوهانا فرنانديز ومها نصّار ونهلة عبدو - زعبي، موسّسة الدراسات الفلسطينيّة، تمّوز 2020.
  9. لمركز الفلسطيني للإرشاد، 2012
  10. الدكتورة سماح جبر، الضرر غير المرئي لحياة تحت الاحتلال، 2014. ميمو: مونيتور الشرق الأوسط، أجرت المقابلة إمانويلا إيبوستي
    12.الاعتقال الاداري
  11. شاهد (Military Court Watch) حملة تضامن مع فلسطين: أطفال فلسطين في المعتقل الإسرائيلي، 2017 Military Court Watch (2017) in Palestine Solidarity Campaign: Palestinian Children in Israeli Detention
  12. ينتهك الحصار الإسرائيليّ المفروض على غزّة القانون الدوليّ، إذ تمنع اتفاقيّة جنيف الرابعة أيّ حصار.
  13. تقرير هيومن رايتس ووتش فلسطين، عام 2020
  14. تقرير منظّمة الصحّة العالميّة عن فلسطين (2017)
  15. مركز الميزان الفلسطينيّ لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش فلسطين، تقرير عام 2020

فلسطين اليوم: نظرة عامّة

يعيش الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلّة في ظلّ استمرار الاحتلال العسكريّ وانتهاكات حقوقهم الإنسانيّة وسياسات التهجير والفصل العنصري أو الأبارتهايد، وكذلك تحت ظروف اقتصاديّة واجتماعيّة غير عادلة. يؤثر هذا في جميع أشكال الحياة إبتداءً من المنزل والأسرة والمدرسة والمجتمع والعمل والرعاية الصحيّة؛ بالإضافة إلى تأثيرات ممنهجة وطويلة الأمد يعاني منها الفلسطينيّون عبر أجيالٍ مختلفة على الصعيد الاجتماعيّ والنفسيّ والاقتصاديّ.

تتحكّم دولة إسرائيل في جميع مجالات حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة. لا يملك الفلسطينيون حقّ المشاركة في انتخابات الدولة الإسرائيليّة التي تحتلّهم، لكن يمكنهم التصويت لأحزاب سياسيّة داخل مناطق السلطة الفلسطينيّة، ومع ذلك تكون قوّتهم [السياسيّة] محدودة من قبل إسرائيل. تأسست منظّمة التحرير الفلسطينيّة عام 1964 وأُعترف بها كممثّل شرعي للشعب الفلسطيني على مستوى العالم. أمّا السلطة الفلسطينيّة فقد تأسّست عام 1994 بعد اتفاقيّة أوسلو، وحلّت محل منظمة التحرير لتصبح الممثّل السياسي المهيمن. يوجد حزبان سياسيّان رئيسيّان داخل مناطق السلطة الفلسطينيّة: فتح في الضفّة الغربيّة، وحماس في قطاع غزّة. جرى انفصال داخليّ بين القوى الفلسطينيّة عندما فازت حماس في قطاع غزّة عام 2007، وأصبحت حزبًا سياسيًّا أكثر شعبيّة ومعارضًا للهيمنة. انتفض الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005) ضد الاحتلال الإسرائيلي. لم تحتلّ الدولة الإسرائيليّة فلسطين فحسب، بل احتلت أيضًا - خلال فترات زمنيّة مختلفة - أراضي سيناء من مصر، والجولان السوريّ، وجنوب لبنان.

يُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين وعائلاتهم منذ عام 1948 حتّى اليوم بحوالي سبعة ملايين لاجئ (بحسب وكالة الأونروا)، وتعيش أغلبيّتهم وأجيال مختلفة منهم داخل مخيّمات اللاجئين في لبنان والأردن وسوريّا. توجد أنواع متعدّدة من التهجير القسريّ على مستويات متنوّعة، من بيت العائلة والحيّ إلى المنطقة والدولة؛ يشمل ذلك نكبة عام 1948 وتهجير السكّان الفلسطينيين (إلى الضفّة الغربيّة تحكمها الأردن في ذلك الوقت، وقطاع غزة تحت سيطرة مصر) LINK، ونكسة حزيران (أو حرب الـ67) LINK. تستعمل إسرائيل أساليب متعدّدة لتهجير الفلسطينيين منها عمليات هدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان غير القانوني1. لم تقم السلطة الفلسطينيّة بعد بتسجيل عدد الفلسطينيين النازحين داخل فلسطين بشكل ممنهج، وقد يتفاوت عددهم بسبب ذلك2، وكثيرًا ما يتمّ الاعتماد على منظمات غير حكوميّة لتقوم بذلك3. على الرغم من أن تقسيم عام 1947 أو "الخط الأخضر" الذي اتفقت عليه الأمم المتحدة كان مؤقتًا، فقد أصبح الحدود الفعليّة بين فلسطين وإسرائيل4. ومع ذلك، وفي انتهاك مستمر لتقسيم عام 1947، هناك توسّع استيطاني غير قانوني في الأراضي الفلسطينية تسمح به دولة إسرائيل، بالإضافة إلى جدار فصل مبنيّ في منطقة خارجة عن حدود التقسيم مع إسرائيل، واستمرار الأخيرة في التهرب من تحديد وتعريف حدودها. هناك عمليّة امتداد مستمرّة من خلال توسيع البنية التحتيّة الإسرائيلية من شبكة مياه وكهرباء وعواميد اتصال إلى داخل الأراضي الفلسطينيّة، ليُسمح من بعدها ببناء المستوطنات.

تقييد حريّة التنقّل

تتحكّم دولة إسرائيل في حريّة تنقّل وحركة الفلسطينيين من خلال جدار فصل عسكريّ وحواجز دائمة (ومؤقتة ومتنقّلة) وحواجز طُرق وتصاريح سفر داخل فلسطين: أي من الضفّة الغربيّة إلى شرقيّ القدس أو غزّة، أو داخل المناطق المختلفة في الضفة من أ وب وج، بما في ذلك زيارة العائلة أو الأصدقاء أو السفر للعمل. تقلّل أوقات التنقّل الطويلة بين الحواجز المختلفة من الوقت الذي يمكن قضاؤه في البيت أو المدرسة أو العمل، وتؤثّر على الحياة الأسريّة والتعليم.
تؤثّر أجهزة التحكّم الإسرائيليّة على جميع "الإجراءات البيروقراطيّة والقانونيّة منذ الولادة وحتّى الوفاة"؛ أي منذ تسجيل مولود حتّى "الحصول على تصاريح السفر وإذن للدفن، بالإضافة إلى الحواجز الموجودة المُعيقة لتقاليد الموت وطقوس الدفن."5

سياسات الفصل العنصريّ أو الأبارتهايد

يمكن اعتبار الوضع في إسرائيل وفلسطين ـ بحسب تعريف الأمم المتحدة - دولة أبارتهايد؛ وذلك بسبب الحواجز العسكريّة ونقاط التفتيش التي تعمل وفقًا لنظام بطاقة الهويّة، حيث يخضع الفلسطينيون لفحوصات أمنيّة مختلفة عن تلك التي تُجرى للإسرائيليين؛ وتمنع قوانين الزواج الاختلاط بين المجموعات المختلفة، وتُفرض قوانين وإجراءات محكميّة على الفلسطينيين مختلفة عن الإسرائيليين، ويوجد نظام فصل عنصري يحدّده جدار أمني وطُرق وشوارع مخصّصة للإسرائيليين، وشبكة حافلات منفصلة لتنقّلهم حول المستوطنات في المناطق المحتلّة6. يعرّف القانون الدوليّ للأمم المتّحدة الأبارتهايد "بنظام مؤسساتيّ للقمع المُمنهج وسيطرة مجموعة إثنيّة عرقيّة على مجموعة أو مجموعات أخرى بغية الحفاظ على هذا النظام"7. وُصفت إسرائيل كدولة أبارتهايد على الصعيد الدوليّ من قبل [بعض] الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة ومن أعضاء برلمان آخرين8.

يُعامَل الفلسطينيون سكّان منطقة القدس الشرقيّة ـ جزء من دولة إسرائيل تقنيًا ـ على أنّهم "مواطنون درجة ثانية". ينعكس هذا من خلال تقييدات على الحقّ في امتلاك الأراضي، والعمل، الموارد، وشحّة تمويل التعليم والبنية التحتيّة في المجتمع الفلسطيني. داخل القدس الشرقيّة في إسرائيل، يوجد عزل في الإسكان بشكل كبير. لغة التعليم الأساسيّة هي العربيّة أو العبريّة، مع تخصيص ميزانيّة أقلّ للمدارس الناطقة باللغة العربيّة، ممّا يعزز البطالة المتكرّرة كاستراتيجيّة [تتبعها إسرائيل] في سحب الإستثمار. يتقاضى الفلسطينيون أجورًا أقل بأربعين بالمائة من أجور الإسرائيليين (مشكلين رغم ذلك أغلبيّة عمّال الخدمة ذوي الياقات الزرقاء - الطبقة العاملة المؤدية العمل اليدوي - في الاقتصاد الإسرائيليّ)؛ حتّى لو كانت لديهم نفس المؤهّلات أو أعلى، فهم على الأرجح أن يتحوّلوا إلى عاطلين عن العمل قبل عمّال آخرين [غير فلسطينيين من شرقيّ القدس]9.
يُحرم الفلسطينيون من سكّان القدس الشرقيّة في إسرائيل من المشورة والخدمات الإسكانيّة، وبالتالي يتمّ طردهم فعليًّا خارج مدينة القدس10. بسبب التوسّع الإسرائيلي والتقلّص المستمر في أراضي الضفّة الغربيّة، تتزايد أسعار الإيجار والعقارات وتُدفع الناس نحو الفقر. يعيش حوالي 26٪ من مجمل الفلسطينيين في فقر، بينما تبلغ هذه النسبة معدّل 39٪ في غزّة. يحدّ الحصار الاقتصاديّ والعقوبات المفروضة من نموّ الاقتصاد الفلسطيني، خصوصًا في غزّة، حيث تسيطر إسرائيل على جميع المعابر والحدود التي تدخل منها البضائع، وبسبب إغلاق الأنفاق المؤدية إلى دولة مصر المجاورة منذ عام 2006.

الاعتقال

بات اعتقال الفلسطينيين - رجالًا وأطفال بشكلٍ متفاوت - على يد جيش الدفاع الإسرائيلي أمرًا مُعتاد. واحد من كلّ خمسة فلسطينيين وأربعون في المائة من الرجال تمّ اعتقالهم في الماضي، أو أنّهم تحت الاعتقال الآن، وعادةً ما يتعرّضون للتعذيب11. يُعتقل الفلسطينيون بشكلٍ متكرّر بسبب جرائم بسيطة وغالبًا بطريقة غير شرعيّة. يتمّ احتجازهم دون محامٍ، لأنّ قانون الاعتقال الإداري يخوّل إسرائيل سجن الفلسطينيين دون محاكمة12. تكون الاعتقالات عنيفة بالغالب، وعادةً ما تحدث خلال الليل كجزء من مداهمات منزليّة أو للمباني السكنيّة بأكملها. بعد اعتقالهم، يتعرّض الفلسطينيون للتعذيب خلال التحقيق معهم، ويُحاكمون في محاكم عسكريّة منفصلة عن المحاكم المدنيّة الإسرائيليّة ـ المستعملة للمواطنين الإسرائيليين ـ من دون أي استشارة قانونيّة مُتاحة لهم. تستخدم إسرائيل هذه الاعتقالات كوسيلة سيطرة فقط بدلًا من جعلها متناسبة مع معدّل الجريمة داخل التجمّعات الفلسطينيّة. ازدادت بالتالي نسبة جرائم العصابات والعنف والقتل وتجارة المخدّرات داخل هذه التجمّعات كنتيجة لإهمال الحكومة التي لا تحقّق فيها أبدًا. تشمل الانتهاكات الإسرائيليّة لحقوق الإنسان الاستعمال المتواصل لغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطيّ ضدّ المواطنين، والعنف أو الإساءة من قِبل جيش الدفاع الإسرائيلي في الحواجز العسكريّة، أو من سكّان المستوطنات. يُعتقل الأطفال من منازلهم عادةً خلال منتصف الليل، وكذلك في التظاهرات أو على الحواجز، ويجرّون إلى السجون داخل إسرائيل، ويكون اتصالهم بعائلاتهم جدًّا محدود. يستجوبون ويعذّبون جسديًّا [ونفسيًّا]، ويُحاكمون في محاكم عسكريّة خالية من القضاء العادل، إذ قد تبلغ أقصى العقوبات ـ بتهمة إلقاء الحجارة في الغالب - إلى 10 أو 20 سنة13.

غزّة

قطاع غزّة هو مأوىً ل-1.8 مليون فلسطينيّ وأحد الأماكن الأكثر اكتظاظًا في العالم. هناك انتشار واسع للفقر داخل قطاع غزّة بسبب الحصار (الاقتصاديّ) الإسرائيليّ14، الذي يقيّد الإمدادات الأساسيّة من غذاء ومياه شرب وأدوية وكهرباء، جاعلًا منها جميعًا ذي تكلفة عالية جدًّا. نتيجةً لذلك، يعتمد 80٪ من سكّان قطاع غزّة على المساعدات الإنسانيّة15. يوجد تقييد كبير في حريّة التنقّل، إذ أنّ معظم الغزيين محرومون من السفر خارج قطاع غزّة، حتى ولو من أجل العمل أو لأسباب عائليّة أو طبيّة، أو بهدف التعليم والتدريب [المهني]، أو في حال تعرّضهم لهجوم. هناك هجوم عسكريّ مباشر على قطاع غزّة بواسطة حملات قصف متفرّقة مسببّةً أزمات نفسيّة حادّة، بالإضافة إلى عدم مساواة هيكليّة وطويلة الأمد يفرضها الإحتلال. قُتل 2100 فلسطيني وجُرح عشرة آلاف آخرون16 خلال الحملات الهجوميّة على قطاع غزّة (وازدياد العنف في الضفّة الغربيّة) بين العامين 2014 و 2016، ودُمّر كذلك 11000 منزل أو تحوّلوا غير صالحين للسكّن؛ وأدّى كلّ ذلك إلى أكبر موجة نزوح داخليّة منذ عام 1967. هناك حملة قصف حاليّة [على غزّة] في وقت كتابة هذا النصّ (سبتمبر ـ ديسمبر 2020) وأثناء جائحة الكورونا المنتشرة في العالم. تُستهدف أو تُقطع إمدادات الكهرباء والماء عن المستشفيات والمراكز الصحيّة خلال حملات القصف. تساهم التقييدات على حريّة التنقّل في اكتظاظ قطاع غزّة، حيث توقّعت الأونروا أن يكون "غير صالح للسكن" في حلول عام 2020، وتقلّل سياسة هدم المنازل والقصف المستمرّ التي تتبعها إسرائيل من عدد المباني المُتاحة والصالحة للسكن.

يطلق حرس حدود التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي الذخيرة الحيّة على المتظاهرين في غزّة17، حيث قُتل 34 فلسطينيّ وجُرح 1883 آخرون عام 2019 (مركز الميزان ووزارة الصحّة في غزّة). تؤدّي أنواع الأسلحة المُستعملة من قنابل صوتيّة وطائرات مراقبة من غير طيّار إلى ضوائق نفسيّة أكبر من الضرر الماديّ. استخدام القنابل الصوتيّة هو تكتيك [عسكريّ] غير قانوني لكسر حاجز الصوت، إذ تحلّق طائرات عسكريّة بسرعة فائقة في المجال الجويّ فوق قطاع غزّة لكن على ارتفاع منخفض، وترسل صدمات صوتيّة ودوي انفجارات. يُستخدم هذا التكتيك خلال ساعات الليل بهدف تعطيل النوم وزيادة التوتّر والخوف والذعر، ويؤديّ إلى صدمات نفسيّة لدى الأطفال (يمكن ملاحظتها في اضطراب القلق والتبوّل في الفراش)، وإلى الإجهاض عند النساء. يتّأثر الأطفال بشكلٍ متفاوت من هذه التكتيكات، ويعانون بشكل متزايد من اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD، حيث يعاني 32.7٪ من الأطفال في غزّة من مستويات PTSD حادّة، و49٪ من مستويات متوسّطة، و16٪ من مستويات خفيفة.

  1. المركز الفلسطيني للإرشاد، (2009). بيوت مهدمة: معالجة آثار هدم المنازل على الأطفال الفلسطينيين والأسر الفلسطينية.
  2. ومع ذلك، بدأ كلّ من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظّمة بتسيلم في تتبع هدم المنازل منذ عام 2006 (المركز الفلسطيني للإرشاد 2009: 11).
  3. المركز الفلسطيني للإرشاد، 2009
  4. Green Line: Definition
  5. Nadera Shalhoub Kervorkian (2014) Living death, recovering life: psychosocial resistance and the power of the dead in East Jerusalem LINK Intervention, Volume 12, Number 1, Page 16 - 29 نادرة شلهوب كيفوركيان (الموت الحي، استعادة الحياة: المقاومة النفسيّة وقوّة الموتى في القدس الشرقيّة)، 2014
    6.B'TSelem (2004)
  6. UN Definition of Apartheid تعريف الأبارتهايد بحسب الأمم المتّحدة
  7. visualizingpalestine.org/visuals/hafrada-apartheid
  8. العنصرية المنهجية في الولايات المتحدة وإسرائيل: المقارنات والتناقضات، حلقة نقاش بين نادية أبو الحاج وجوهانا فرنانديز ومها نصّار ونهلة عبدو - زعبي، موسّسة الدراسات الفلسطينيّة، تمّوز 2020.
  9. لمركز الفلسطيني للإرشاد، 2012
  10. الدكتورة سماح جبر، الضرر غير المرئي لحياة تحت الاحتلال، 2014. ميمو: مونيتور الشرق الأوسط، أجرت المقابلة إمانويلا إيبوستي
    12.الاعتقال الاداري
  11. شاهد (Military Court Watch) حملة تضامن مع فلسطين: أطفال فلسطين في المعتقل الإسرائيلي، 2017 Military Court Watch (2017) in Palestine Solidarity Campaign: Palestinian Children in Israeli Detention
  12. ينتهك الحصار الإسرائيليّ المفروض على غزّة القانون الدوليّ، إذ تمنع اتفاقيّة جنيف الرابعة أيّ حصار.
  13. تقرير هيومن رايتس ووتش فلسطين، عام 2020
  14. تقرير منظّمة الصحّة العالميّة عن فلسطين (2017)
  15. مركز الميزان الفلسطينيّ لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش فلسطين، تقرير عام 2020